أبي عمرو، فلقيه الرجل بعد ذلك، فقال له: وعدتني يا أبا عمرو وعدا لم تنجزه.
قال له أبو عمرو: فمن أولى بالغمّ أنا أو أنت؟ قال الرجل: أنا. قال أبو عمرو: لا والله بل أنا. قال: وكيف ذلك أصلحك الله، وأنا المدفوع عن حاجتي؟ فقال:
لأني وعدتك، فأنت بفرح الوعد، وأنا بهمّ الإنجاز، وبتّ ليلتك فرحا مسرورا، وبتّ ليلتي مفكرا مهموما، ثم عاق القدر عن بلوغ الإرادة، فلقيتني مدلا، ولقيتك محتشما، فأنا أولى بالغم منك. قال: صدقت.
وحدث الأصمعي قال: غاب أبو عمرو عن البصرة عشرين سنة ثم رجع ففقد إخوانه الذين كانوا يجلسون إليه في مجلسه بجامع البصرة، فأنشأ يقول:
يا منزل الحيّ الذي ... ن تفرّقت بهم المنازل
أصبحت بعد عمارة ... قفرا تهبّ بك الشمائل
فلئن رأيتك موحشا ... فبما رأيت وأنت آهل
وحدث الأصمعي قال: كنا عند أبي عمرو بن العلاء فسأله رجل: لم سميت الخيل خيلا؟ فسكت أبو عمرو، فقال فتى في المجلس: سميت خيلا لاختيالها.
فقال أبو عمرو: اكتبوا الاختيال من الخيلاء، وهو العجب.
قال الأصمعي: صنع أبو عمرو بن العلاء هريسة فكتب إليّ:
هلمّ إلى من عذّبت طول ليلها ... بأضيق حبس في وطيس مسعّر
وقد جلدت حدين وهي بريّة ... فحيّ على دفن الشهيدة تؤجر
وكان يونس بن حبيب يقول: لو كان أحد ينبغي أن يؤخذ بقوله في كلّ شيء كان ينبغي أن يؤخذ بقول أبي عمرو بن العلاء.
وقال أبو عبيدة: أبو عمرو أعلم الناس بالقراءات والعربية وأيام العرب والشعر، وكانت دفاتره ملء بيته إلى السقف، ثم تنسك فأحرقها. وأما حاله في أهل الحديث فقد وثقه يحيى بن معين وغيره وقالوا: صدوق حجة في القراءة، وله أخبار حسان، وروي عنه فوائد كثيرة يطول ذكرها.