وحدث الزبير قال: شكرت بعض الملوك على عارفة له فما رأيته يقبل الشكر حق قبوله، فأنشدته:
فلو كان يستغني عن الشكر ماجد ... لعزّة ملك أو علوّ مكان
لما ندب الله العباد لشكره ... فقال اشكروني أيها الثقلان
قال المؤلف: هذا قول بشع شنع، فإن الله تعالى ليس به فاقة إلى شكر عباده، وإنما أدبهم بما أمرهم، قلت: وإنما هذه استعارة حسنة.
قال الزبير: تشوّفت إلى المدينة وأنا بالعراق فقلت:
ليت شعري ولليالي صروف ... هل أرى مرّة بقيع الزبير
ذاك مغنى ألذّه وقطين ... تشتهي النفس أن تراه بخير
قال الزبير [١] : جئت إلى الفتح بن خاقان أسأله أن يستأذن لي أمير المؤمنين المتوكل في الحج فوعدني، فقلت له أنشدك، وأنشدته:
ما أنت بالسبب الضعيف وإنما ... نجح الأمور بقوة الأسباب
فاليوم حاجتنا إليك وإنما ... يرجى الطبيب لساعة الأوصاب
قال فاستأذن لي على المتوكل فخرج سعيد بن مسكين فقال: ادخل، فدخلت فودعت أمير المؤمنين، ثم خرجت وخرج الفتح، فقال: جائزتك تلحقك، وعهدك بالقضاء على مكة لاحق بك، فلما صرت إلى منزلي إذا خادم معه ثلاثون ألف درهم فقبضتها وخرجت إلى مكة، فلما أردت الدخول إليها إذا رسوله ومعه عهدي بالقضاء، فدخلتها واليا عليها.
ثم مات بمكة في الوقت المقدم ذكره. وكان سبب موته أنه سقط من سطح علوّه عشرة أذرع فانكسرت ترقوته ووركه فمات، وصلى عليه ابنه مصعب، وحضر جنازته محمد بن عيسى بن المنصور ودفن إلى جانب قبر علي بن عيسى الهاشمي في نقرة الحجون.