في لقائه كلّ الاجتهاد، وأعتد بخدمته غاية الاعتداد، ولم أجد طريقا إلى ذلك إلا بحسن سفارة السيد الوالد، الإمام الماجد، بقية المشايخ والصدور، ومالك أزمة المنظوم والمنثور، علم العلم والأدب، وطود الحلم والحسب، أبي الأدباء، وموئل الغرباء، الذي دقّ فكره، وجلّ قدره:
سلمان أوحد عصره ... وزمانه في كلّ فن
شيخ العلوم وكعبة ... للفضل يقصدها الفطن
فيعتذر أنه حرسه الله مشغول بأمور مهمّة، وحوادث ملمة، ولما نزلنا الريّ أيقنت بالريّ من رؤيته، والتعاطي من بديهته العدّ ورويّته، ووثقت بالظفر بخدمته، فكنت الوامق الخجل لأنني ترددت إلى أن ملّني بواب دار الوزارة، وشكاني دهليز دار الإمارة، والحجاب كثيف، والحاجب عنيف:
لكن غرامي بالأدي ... ب أباح لي خلع الرسن
فكتبت منبسطا لأظ ... هر من غرامي ما بطن
يا سيّد الأدباء قل ... ب الصبّ عندك مرتهن
قلت: فهذا من هذه الرسالة يدل على أنه كان أديبا ذا مكانة من السلطان، وتمكّن من علوّ القدر والشان.
فلما لم يحمد ما كان منه، كتب إلى الفقيه أبي بكر محمد بن الشافعي المعروف بالعيثوري: لو وجدت إلى لقاء الشيخ الفقيه، أطال الله بقاءه ما اهتزّ غصن كعطفه، وجاد سحاب ككفّه، وتبلّج صبح كبشره، وتأرّج روض كذكره، وزخر بحر كعلمه، وشمخ طود كحلمه، ونفذ قدر كعزمه؛ بل أطال الله بقاءه ما قام أير واسبطرّ، واختلج بظر فاقشعر، وتجهّم عيش أديب فاكفهر، واطرد القياس ببؤس الفاضل واستمر؛ بل أطال الله بقاءه لتبادل الصبيان في المكاتب والمعالم، وتساحق النسوان في المقابر والمآتم. بل أطال الله بقاءه ما قدحت زنود الأفراح بالأقداح، وعدل طريق إلى الفقاح عن الأحراح، واتهم كاتب بحامل دواته، وغلام بمولاه أو بمولاته؛ بل أطال الله بقاءه ما خاب أمل عند لئيم ساقط، وحبط عمل في سوق زنيم هابط؛ بل أطال بقاءه ما بذل لئيم فقحته، وكشخان زوجته، وصفعان هامته؛ وأري