للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد عرفنا أباه، سلمه الله، بريا من هذه البظرمة، عريّا من هذه العجرفة، سليم الصدر، نقي الجيب، ليّن الجانب، حلو الحركة، دمث التفصيل، لا يتعدىّ طوره، ولا يتجاوز حده:

يعلم أولاد الوزير ففخره ... إذا تاه فخرا أن يقال معلّم

فما بال هذا الجرو لادرّ درّه ... على نقصه مستأسدا يتبظرم

ومن أين وافته الوزارة فاغتدى ... بخسّته في عصرها يتحكّم

وهب أن منصورا دعاه بجهله ... وزير دعاء بالعظائم يرجم

أصار وزيرا أو يجوز لمثله ... يتيه على الأكفاء أو يتقدم

ولولا أن الري مسخت وأهلها، ونسخت وأعيانها، وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ، وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ

، وقيل لهم كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ*

(البقرة: ٦١) لما تصدر المعلّم في دسوتها، ولا ترأس في ملكها وملكوتها، وجمع بين ناسوت الرياسة ولا هوتها، ولا تحكم في أهلها، ولا تكلم في مجالسها، ولكان بحيث أنزل الله المعلمين، وجعل المؤدبين، أو أنه يرجع إلى مسكة من عقل، أو يعتصم بيسير من لبّ وحزم، أو يتعلق بقليل من تمييز، أو يعود إلى نزر من تحصيل، يعرف محله، ويلتزم حدّه، ولم يتعدّ طوره:

ولكن المعلم ذقن سرم ... خفيف الرأس ليس له دماغ

وقد دبغت رؤوسهم فأضحت ... نواشف قد تحيّفها الدباغ

وما إن كان فيها قط شيء ... فكيف تقول أدركها الفراغ

فما لعلوّ مثلهم مجار ... ولا لنفاق مثلهم مساغ

وقد صنعوا من الحمق المنقّى ... ففيهم كلّ فاحشة تصاغ

هذا، على أنه نشأ في الفقر والفاقة، وربي في البؤس والإضاقة، وولد في الهجرة، وقطعت سرّته في المصاطب، وكدّي عليه في المساجد، فإن شيخنا أباه- أبقاه الله- امتحن بالغربة في الرساتيق، وباع الشعر بالقراريط لا الدوانيق. وكانت

<<  <  ج: ص:  >  >>