كان أبو محمد ابن الخشاب كثير الكتب جدا، وكان له دار في باب المراتب، وكان عنده صفّة عظيمة ملأى جزازا ودفاتر، وقطّ ما استعار من أحد كتابا فردّه عليه، وكان إذا طلبه صاحبه منه يقول له: هو في هذا الجزاز، ومن يقدر على تخليصه منه؟
فيأيس صاحبه ويسكت.
وكان حادّ الخاطر جدا، جاءه يوما الشيخ مكي بن أبي القاسم الحافظ، وهو في مجلسه، وبين يديه جماعة يقرأون عليه، فقال: يا سيدي، بلغني أن للأصمعي كتابا سماه «الجبال» ، هل هو عندك؟ فقال له: أنت أعمى، أما ترى الجبال قدامي؟ أشار به إلى تلك الجماعة التي تقرأ عليه.
قرأت بخطّ النقيب قثم بن طلحة بن الأنفي، قال لي الصدر بن الزاهد: دخلت على الفخر بن المطلب يوما فقال لي: من أين جئت؟ فقلت: من العودة. فقال:
واجتزت بعقد المصطنع؟ قلت: نعم، فقال: من أي عقديها دخلت؟ فتوقفت، لأنه كان كثير الولع بالناس. فقال: من العقد الذي حزّوا فيه رأس الحسين بن علي، عليه السلام، وتكره الشيعة الدخول فيه أم العقد الآخر؟ فقلت: العقد الآخر.
قال: يا سبحان الله، أنا أذكر بناء هذين العقدين في أيام المستظهر بالله، وأعرف هذا الموضع، وليس به عقد أصلا، فما أعلم من أين أحدث الناس هذا الخبر، والحسين، عليه السلام، قتل قبل بناء بغداد بأعوام كثيرة. فقلت: حكى ابن الخشاب قال، قالت أمي: ما أراك تصلي صلاة الرغائب على عادة الناس. فقلت:
يا أمي، إنما أوثر من الصلوات ما ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو صحابته، وهذه الصلاة لم ترو عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، ولا عن أحد من أصحابه. فقالت: لا أسمع ذلك منك، فاسأل لي ابن عمتي- وكان الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي ابن عمتها- فاتفق أني لقيته، فقلت له: الوالدة تسلّم عليك، وتسألك عن صلاة الرغائب، هل وردت عن الرسول أو صحابته؟ فقال لي: فهلا أخبرتها بحقيقة ذلك؟ فقلت: قد أبت إلّا أن