للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمصاولة رجل جوّال، رحّال حلال، بهيت وضع، وبالكوفة أرضع، وببغداد أثغر، وبواسط أحفر، وبالحجاز وتهامة فطامه، وبمصر والمغرب كان احتلامه، وبنجد والشام بقل عارضه، وباليمن وعمان قويت نواهضه، وبخراسان بلغ أشدّه، وببخارى وسمرقند تناهى جدّه، وبغزنة والهند شاب واكتهل، ومن سيحون وجيحون علّ ونهل، وبميسان والبصرة عوّد وقرح، وبالجبال جله وجلح، فهو يعدّ المازني إمامه، وابن جني غلامه، والمتنبي من رواته، والمعرّي حامل دواته، والصابي باري قلمه، والصاحب رافع علمه، وابن مقلة من ناقلي غاشيته، وابن أبي حفصة بعض حاشيته، وقد قرأ الكتب وتلاها، وحفظ العلوم ورواها، ودرس الآداب ووعاها، ودوّن الدواوين وألّفها، وأنشأ الحكم وصنفها، وفصّل المشكلات وشرحها، وارتجل الخطب ونقحها، فهو البحر المورود، والامام المقصود، والعلم المصمود، هذا بون بعيد ومرتقى شديد:

أتلقون بالأعزل الرامحا ... وبالأكشف الحاسر الدارعا

وبالكودن السابق السابحا ... وبالمنجل الصارم القاطعا

فما استتم كلامنا حتى أقبل، فإذا نحن به قد طلع مهرولا، وأقبل مستعجلا، فرأيت رجلا أجلح، أهتم أفلح، أفطح أردح، طويلا عنطنط، يحكي ذئبا أمعط، أخمع أخبط، فتلقوه معظمين، وله مفخمين، فقصد من المجلس صدره، وأسند إلى المخدة ظهره، فما استقر به المكان حتى قيل له: هذا فلان. فقبض من أنفه، ونظر إليّ بشطر من طرفه، وقال ببعض فيه: هلموا ما كنتم فيه، تعسا للشوهاء وجالبيها، والقرعاء وحالبيها.

قد جاء زيد مجرّرا رسنه ... فحل فلا تمنعنّه سننه

أحبه قومه على شوه ... إن القرنبى في عين امّها حسنه

[فقال] : كان لنا شيخ بالأنبار، كثير الأخبار، قد بلغ من العمر أملاه، ومن السنّ أعلاه، قرأت عليه جميع الكتاب، وعلم الأنساب، ومسائل ابن السرّاج، وديوان العجاج، وكتاب الاصلاح، وشروح الإيضاح، وشعر الطرماح، والعين للفرهودي، والجمهرة للأزدي. وأكثر من [ذكر] المصنفات، المجهولات

<<  <  ج: ص:  >  >>