للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخفي لفظه، ويطرق لحظه: أظنّه لقبا. فقلت: هو كما ظننت فما معناه وما سببه؟

وكيف كان موجبه. فلم يجد بدا من أن يقول: لا أدري فقال وقد أذقته مرّ الاماتة، وأحسّ من القوم بتظاهر الشماتة:

وودّ بجدع الأنف لو أن صحبه ... تنادوا وقالوا في المناخ له قم

ثم أقبلوا إليّ، وعكفوا عليّ، بأوجه متهلّلة، وألسنة متوسلة، في شرح الحال، والقيام بجواب السؤال. فقلت: هذا بديع عجيب، أنا أسأل وأنا أجيب، إن إلياس بن مضر تزوج ليلى بنت ثعلبة بن حلوان بن الحاف بن قضاعة بن معدّ (في بعض النسب) ، فولد له منها: عمرو وعامر وعمير، ففقدهم ذات يوم، فألحى على ليلى باللوم، فقال: اخرجي في أثرهم، وأتيني بخبرهم، فأمعنت في طلبهم، وعادت بهم، فقالت: ما زلت أخندف في اتباعهم، حتى ظفرت بلقائهم، فقال لها إلياس: أنت خندف. والخندفة في الاتباع، تقارب الخطو في إسراع، وقال عمرو:

يا أبتي أنا أدركت الصيد فلويته. فقال له: أنت مدركة، إذ حويته، وقال عامر: أنا طبخته وشويته، فقال: أنت طابخة إذ شويته، فقال عمير: أنا انقمعت في الخباء، فقال له: أنت قمعة للاختباء، فلصقت بها وبهم هذه الألقاب، وجرت بها إليهم الأنساب. فقال حينئذ: هذا علم استفدته، وفضل استزدته، وقد قال الحكيم:

مذاكرة ذوي الألباب، نماء في الآداب، فقلت له متمثلا:

أقول له والرمح يأطر متنه ... تأمّل خفافا إنني أنا ذالكا

ثم لم يحتبس إلا قليلا، ولم يمسك طويلا، حتى عاد إلى هديره، وأخذ في تهذيره، طمعا بأن يأخذ بالثار، ويعود الفصّ له في القمار، فعدل عن العلوم النسبية، وجال في ميدان العربية، ولم يحسّ أن باعه فيها أقصر، وطرفه دون حقائقها أحسر، فقال: حضرت يوما حلبة من حلبات العلوم، وموسما من مواسم المنثور والمنظوم، وقد غصّ بكل خطيب مصقع، وحكم مقنع، وعالم مصدع، ومليء من كل عتيق صهّال، وفنيق صوّال، ومنطبق جوال، فأخذوا في فنون المعارضات، وصنوف المناقضات، وسلكوا في معاني القريض، كل طويل عريض، حتى أخذ السائل منهم بالمخنّق، بيت [الفرزدق] :

<<  <  ج: ص:  >  >>