ونقل من خط أبي الفتح ابن جني خطبة نكاح من إنشائه: الحمد لله فاطر السماء والأرض، ومالك الإبرام والنقض، ذي العزة والعلاء، والعظمة والكبرياء، مبتدع الخلق على غير مثال، والمشهود بحقيقته في كل حال، الذي ملأت حكمته القلوب نورا، فاستودع علم الأشياء كتابا مسطورا، وأشرق في غياهب الشبه خصائص نعوته، واغترقت «١» أرجاء الفكر بسطة ملكوته؛ أحمده حمد معترف بجزيل نعمه، وأخاطبه ملتبسا بسنيّ قسمه، وأعاطيه وأومن به في السرّ والعلن، واستدفع بقدرته ملمات الزمن، وأستعينه على نوازل الأمور، وادّارأه في نحر كلّ محذور، وأشهد شهادة تخضع لعلوها السموات وما أظلّت، وتعجز عن حملها الأرضون وما أقلّت، إنه مالك يوم البعث والمعاد، والقائم على كلّ نفس بالمرصاد، وأن لا معبود سواه، ولا إله إلّاه «٢» ، وأنّ محمدا صلّى الله عليه وسلّم، وبجّل وكرّم، عبده المنتخب، وحجته على العجم والعرب، ابتعثه بالحقّ إلى أوليائه ضياء لامعا، وعلى المرّاق من أعدائه شهابا ساطعا، فابتذل في ذات الله نفسه وجهدها «٣» ، وانتحى مناهج الرشد وقصدها، مستسهلا ما يراه الأنام صعبا، ومستخصبا ما يرعونه بينهم جدبا. يغافس «٤» أهل الكفر والنفاق، ويمارس البغاة وأولي الشقاق، بقلب غير مذهول، وعزم غير مفلول، يستنجز الله صادق وعده، ويسعى في خلود الحقّ من بعده، إلى أن وطد بواني الدين وأرساها، وشاد شرف الاسلام وأسماها، فصرّم مدته التي أوتيها في طاعة الله موفّقا حميدا، ثم انكفأ إلى خالقه مطمئنا به فقيدا، صلى الله عليه ما ومض في الظلام برق، أو نبض «٥» في الأنام عرق، وعلى الخيرة المصطفين من آله، والمقتدين بشرف فعاله.