وحدثت «١» أنه صحب أبا علي الفارسي أربعين سنة، وكان السبب في صحبته له أن أبا علي اجتاز بالموصل، فمرّ بالجامع وأبو الفتح في حلقة يقرىء النحو وهو شابّ، فسأله أبو علي عن مسألة في التصريف فقصّر فيها، فقال له أبو علي: زبّبت قبل أن تحصرم، فسأل عنه فقيل له: هذا أبو علي الفارسي، فلزمه من يومئذ واعتنى بالتصريف، فما أحد أعلم منه به، ولا أقوم بأصوله وفروعه، ولا أحسن أحد إحسانه في تصنيفه. فلما مات أبو علي تصدر أبو الفتح في مجلسه ببغداد فأخذ عنه الثمانيني وعبد السلام البصري وأبو الحسن السمسمي.
وكان لابن جني من الولد عليّ وعال وعلاء، وكلهم أدباء فضلاء قد خرّجهم والدهم وحسّن خطوطهم، فهم معدودون في الصحيحي الضبط وحسن الخط.
ومن «كتاب سرّ السرور» لأبي الفتح ابن جني:
رأيت محاسن ضحك الربيع ... أطال عليها بكاء السحاب
وقد ضحك الشيب في لمتي ... فلم لا أبكّي ربيع الشباب
أأشرب في الكأس كلا وحاشا ... لأبصره في صفاء الشراب
وأنشد له:
تجبّب أو تدرّع أو تقبّا ... فلا والله لا أزداد حبّا «٢»
أخذت ببعض حبك كلّ قلبي ... فان رمت المزيد فهات قلبا
قرأت بخط أبي علي ابن إبراهيم الصابىء: ولأبي نصر بشر بن هارون في ابن جني النحوي، وقد جرى بينه وبينه في معنى شيطان يقال إنه يظهر بالراية اسمه العدار، وإذا لقي إنسانا وطئه، فقال له ابن جني: بودك لو لقيك فإنه إن كان لأمنيتك، فقال أبو نصر: