حتى أشهد لك، فمضيا إلى الأمير، فقال الصقلبي: إن هذا ضربني وشجّني واعتدى عليّ، فجحد الحبشيّ، فقال الصقلبي: هذا يشهد لي، فنزل أبو علقمة عن بغلته وجلس بين يدي الأمير فقال له الأمير: بم تشهد يا أبا علقمة، فقال: أصلح الله الأمير، بينا أنا أسير على كودني هذا إذ مررت بهذين العبدين، فرأيت هذا الأسحم قد مال على هذا الأبقع فحطأه على فدفد ثم ضغطه برضفتيه في أحشائه حتى ظننت أنه تدمج جوفه، وجعل يلج بشناتره في جحمتيه يكاد يفقأهما، وقبض على صنّارتيه بمبرمه وكاد يجذهما جذّا، ثم علاه بمنسأة كانت معه فعفجه بها، وهذا أثر الجريال عليه بينا، وأنت أمير عادل. فقال الأمير: والله ما أفهم مما قلت شيئا، فقال أبو علقمة: قد فهّمناك إن فهمت، وعلّمناك إن علمت، وأديت إليك ما علمت، وما أقدر أن أتكلم بالفارسية؛ فجعل الأمير يجهد أن يكشف الكلام فلا يفعل حتى ضاق صدره، فقال للصقلبي: أعطني خنجرا، فأعطاه وهو يظن أنه يريد أن يستقيد له من الحبشي، فكشف الأمير رأسه وقال للصقلبي: شجّني خمسا وأعفني من شهادة هذا.
(الصنارتان: الأذنان بلغة حمير. الكودن: الغليظ من الدوابّ. وحطأه صرعه. والفدفد: الغليظ من الأرض. ورضفتاه: ركبتاه. وشناتره: أصابعه والجحمتان: العينان لغة يمانية. والمنسأة: العصا. عفجه: أي ضربه بها.
والجريال: الأحمر فاستعاره للدم) .
قال ابن جني: وأخبرنا عثمان بن محمد، حدثنا محمد بن القاسم، قال حدثني محمد بن المرزبان وأبو الحسين علي بن محمد المقرىء قال: تبيّغ بأبي علقمة الدم وهو في بعض القرى، فقال لابنه «١» جئني بحجام، فأتاه به فقال له: لا تعجل حتى أصف لك ولا تكن كامرىء خالف ما أمر به ومال إلى غيره، اشدد قصب المحاجم، وأرهف ظبة المشارط، وأسرع الوضع وعجّل النزع، وليكن شرطك وخزا ومصّك نهزا، لا تردّنّ آتيا ولا تكرهن آبيا؛ فوضع الحجام محاجمه في قفّته وقال: