في الفلسفة، فقدح في دينه ومقت لذلك. وكان كريما جوادا ممدّحا، ولي الولايات الجليلة، وله أشعار فائقة ورسائل رائقة. وكان كثير المزاح راغبا في اللهو والمراح، له في ذلك خاطر وقّاد وحكايات متداولة، وقد دوّنت رسائله وشاعت فضائله، وكان يدمن المزاح حتى في مجلس نظره، وكان يعاتب على ذلك فلا يدعه لغلبة طبعه عليه، وكان قد تولّى العرض، فجرى يوما بين يديه في مجلس العرض ذكر المعمّى فقال: قد كان عندي البارحة جماعة- سماهم- من أهل الأدب فألقيت عليهم مثالا يصعب استخراج مثله فوقفوا فيه وهو:
مليحة القدّ والأعطاف قد جعلت ... في الحجر طفلا له رأسان في جسد
قد ضيقت منه أنفاس الخناق بلا ... جرم وتضربه ضربا بلا حرد
فتسمع الصوت منه حين تضربه ... كأنه خارج من ماضغ الأسد
ثم قال: لقد ساءني والله فلان- لرجل أسماه- إذ لم يفهم هذا القدر، فقال له غلام أمرد من أولاد الكتاب كان يتعلّم في ديوانه: قد عرفت- أطال الله بقاء الشيخ العميد- هذا المعمّى، وهو الطبل؛ فقال له مبادرا، كأنه كان قد أعدّ له ذلك:
قال ابن عبد الرحيم: وحدثني أبو الفضل قال: بلغني أن القهستاني أنشد مرة بحضرة السلطان محمد بن محمود بيتا من المعمّى فلم يعرفه هو ولا ندماؤه وهو:
دقيقة الساق لا عروق لها ... تدوس رزق الورى بهامتها
فقال له محمد: ما نفهم هذا ولا نعرف شيئا يشبهه ففسّره. قال: هو مغرفة الباقلاني، يغرف بها الماء، ويهشم برأسها الخبز والثريد وهو رزق الورى. فاستبرده وثقل عليه عدم فهمه له، وهو لعمري مستبرد حقيقة.
قال: وحدثني أن هذا الرجل كان يتميز على أهل خراسان بحسن الأخلاق والسخاء، وكثرة المعروف والعطاء، وكان الشعراء يقصدونه دائما لما اشتهر من سماحته وفائض مروءته، فأنشده بعض الشعراء قصيدة باردة غير مرضيّة، فغفل عنه