للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخّر صلته، فكتب بيتين في رقعة وسأل الدواتي أن يتركها في دواته ففعل، وكان البيتان:

أبا بكر هجوتك لا لطبعي ... فطبعي عن هجاء الناس نابي

ولكنّي بلوت الطبع فيه ... فإن السيف يبلى في الكلاب

فوقعت بيد العميد بعد أيام، فلما وقف عليها استحسنها، وسأل الدواتي عن الرجل فعرّفه إياه، فأمر بطلبه، فقيل له إنه سافر، فأرسل خلفه من استعاده من عدّة فراسخ، فلما دخل إليه قام له وأكرمه وتلقاه بالاجلال وقال: لو كان مديحك كهجائك لقاسمتك نعمتي، فإني ما سمعت بأحسن من هذين البيتين، ووصله وأحسن جائزته، فاستجرأ الناس عليه وقالوا إنه لا يثيب إلا على الهجاء.

قال: وكان أبو بكر القهستاني لهجا بالغلمان شديد الميل إليهم، وكان لمحمد بن محمود سبعمائة غلام في خيله، فعلق العميد أحدهم وأحبه حبا مفرطا، ولم يستجريء أن يبدي ذلك لما فيه من سوء العاقبة، فاتفق أن عاد الغلمان يوما من بعض المتصيّدات، فلقيهم العميد في صحن الدار فسلّموا عليه، وقرب ذلك الغلام منه، وكان قد عرف ميله إليه، فقرص فخذه، وكان محمد مشرفا عليهم ينظر إلى ذلك، فنزل واستدعى الخدم وأمرهم بضربه فضربوه ضربا مسرفا، ثم أنفذه إلى العميد وقال له: قد وهبناه منك وصفحنا عن ذنبك، فلو لم يساعدك هذا الفاجر على ذلك لما أمكنك فعله، ولكن لا تعد إلى مثل هذا، فاستحيا العميد وقال: هذا أعظم من الضرب والأدب، وتأخر عن داره حياء، فأنفذ محمد واستدعاه وبسطه حتى زال انقباضه، وكان محمد لا رأي له في الغلمان ولا ميل عنده إليهم، وكان لمعرفته بمحبة العميد لهم لا يزال يهب منه واحدا بعد واحد. وشكا الخدم إلى محمد أن بعض الغلمان الدارية يمكّن باقي الغلمان من وطئه ولا يمتنع عليهم من الغشيان، فقال:

أيفعل هذا طبعا أم يستجعل عليه؟ فقالوا: بل يستجعل عليه، فتقدم باخراجه وإنفاذه الى العميد وقال: قولوا له هذا بك أشبه لا بنا فخذه مباركا لك فيه.

وقال أبو بكر العميد في الميمندي «١» وزير محمود:

<<  <  ج: ص:  >  >>