جوابا، وجاءه النقيب ودخل وجرى على عادته من ترك الاحتفال له ولم يقم عن مجلسه، فجلس النقيب ساعة ثم انصرف مغضبا، فعاتبه ذلك الرجل الذي كان أشار عليه باكرامه فلم يردّ عليه جوابا، فلما كان من الغد جاءه وفي يد الحلّيّ كسرة خبز يابسة وهو يعضّ من جنبها ويأكل، فلما دخل الرجل عليه قال له: بسم الله، فقال له: وأيّ شيء هاهنا حتى آكل؟ فقال له: يا رقيع من يقنع من الدنيا بهذه الكسرة اليابسة لأيّ معنى يذلّ للناس مع غناه عنهم واحتياجهم إليه؟! وحدثني الفقيه قال: بلغني أن الحلي قدم إلى أسعرت «١» فتسامع به أهلها فقصدوه من كلّ فوج، وكان فيهم رجل شاعر، فأنشده الرجل شعرا استجاده الحلي فقال لقائله، إني أرفع هذا الشعر عن طبقتك، فإن كنت في دعواك صادقا فقل في معناه الآن شيئا آخر، ففكر ساعة فقال:
وما كلّ وقت فيه يسمح خاطري ... بنظم قريض يقتضي لفظه معنى
ولم يبح الشرع المبين تيمّما ... بترب وبحر الأرض في ساحة معنا
فقال له الحلي: ويحك اسجد، ويلك اسجد، فإن هذا موضع من مواضع سجدات الشعر، وأنا أعرف الناس بها.
ومما سمعته من فلق فيه وهو من إنشاء خطبة له هي: الحمد لله فالق قمم حبّ الحصيد بحسام سحّ السحب، صابغ خدّ الأرض بقاني رشيق يانع العشب، نافخ روح الحياة في صور تصاويرها بسائح القراح العذب، محيي ميت الأرض باماتة كالح الجدب، لابتسام ثغر نسيم أنفاح الخصب، محيل جسم طبيعة الماء المبارك في أشكال الحب، والعنب والزيتون والقضب، جاعله للانام والأنعام ذات الحمل والحلب، محلّي جيد الأفلاك بقلائد دراريّ النجوم الشهب، ومخلّي جند الأملاك عن مباشرة التصرف والكسب، وللقيام بواجب واصل التسبيح والتقديس للرب، قابل التوبة من المذنب المنيب وغافر الذنب، الواحد المتفرد بوحدانيته عن ملاءمة أعداد قسمه الحساب والضرب، المستغني بصمديته عن مسيس الحاجة إلى دواعي الأكل والشرب، الشاهد على خلقه بما يفيضون فيه لا لاتصاف بعد ولا قرب، المهيمن على