للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشمس وحميت ذاب ذلك الكلام، فسمعت الأصوات الجامدة منذ أمس من أصوات الطبول والبوقات وحديث الناس وصهيل الخيل ونهيق الحمير ورغاء الابل.

قرأت على ظهر جزء من نسخة بكتاب الأغاني لأبي الفرج: حدث ابن عرس الموصلي- وكان المترسل بين عز الدولة وبين أبي تغلب ابن ناصر الدولة، وكان يخلف أبا تغلب بالحضرة- قال: كتب إليّ أبو تغلب يأمرني بابتياع «كتاب الأغاني» لأبي الفرج الأصبهاني، فابتعته له بعشرة آلاف درهم من صرف ثمانية عشر درهما بدينار، فلما حملته إليه ووقف عليه ورأى عظمه وجلالة ما حوى قال: لقد ظلم ورّاقه المسكين، وإنه ليساوي عندي عشرة آلاف دينار، ولو فقد لما قدرت عليه الملوك إلا بالرغائب، وأمر أن تكتب له نسخة أخرى ويخلّد عليها اسمه، فابتدىء بذلك، فما أدري أتمت النسخة أم لا.

قال أبو جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد: اتصل بي أن مسوّدة «كتاب الأغاني» - وهي أصل أبي الفرج- أخرجت الى سوق الوراقين لتباع، فأنفذت إلى ابن قرابة وسألته إنفاذ صاحبها لأبتاعها منه لي، فجاءني وعرّفني أنها بيعت في النداء بأربعة آلاف درهم، وأن أكثرها في ظهور وبخطّ التعليق، وأنها اشتريت لأبي أحمد ابن محمد بن حفص، فراسلت أبا أحمد فأنكر أنه يعرف شيئا من هذا، فبحثت كلّ البحث فما قدرت عليها.

كان الراضي بالله في سنة سبع وعشرين وثلاثمائة قد ولّى أبا عبد الله البريدي- وكان قد خرج عليه بنواحي البصرة- الوزارة، فتحدث الناس أنّ الراضي إنما قصد بتقليد أبي عبد الله الوزارة طمعا في إيقاع الحيلة عليه في تحصيله، فقال أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني في ذلك قصيدة طويلة تزيد على مائة بيت يهجو فيها أبا عبد الله ويؤنب الراضي في توليته وطمعه فيه، أولها «١» :

يا سماء اسقطي ويا أرض ميدي ... قد تولّى الوزارة ابن البريدي

جلّ خطب وحلّ أمر عضال ... وبلاء أشاب رأس الوليد

<<  <  ج: ص:  >  >>