عجبت لما بلّغت عنّي باطلا ... وظنّك بي فيه لعمرك أعجب
ثكلت إذن نفسي وعزّي وأسرتي ... بفقدي ولا أدركت ما كنت أطلب
فكيف بمن لا حظّ لي في لقائه ... وسيان عندي وصله والتجنب
فثق بأخ أصفاك محض مودة ... تشاكل منها ما بدا والتغيب
قال غرس النعمة: حدثني أبي قال، حدثني جدي قال: كان أبو القاسم الجهني القاضي- وأظنه من أهل البصرة وتقلّد الحسبة بها ومنها عرف أبا محمد المهلبي وصحبه- يشتمل على آداب يتميز بها، إلا أنه كان فاحش الكذب، يورد من الحكايات ما لا يعلق بقبول ولا يدخل في معقول، وكان أبو محمد قد ألف ذلك منه، وقد سلك مسلك الاحتمال، وكنا لا نخلو عند حديثه من التعجّب والاستطراف والاستبعاد، وكان ذلك لا يزيده إلا إغراقا في قوله وتماديا في فعله. فلما كان في بعض الأيام جرى حديث النعنع وإلى أيّ حدّ يطول، فقال الجهني: في البلد الفلاني نعنع يتشجّر حتى يعمل من خشبه السلاليم، فاغتاظ أبو الفرج الأصبهاني من ذاك وقال: نعم عجائب الدنيا كثيرة، ولا يدفع مثل هذا، وليس بمستبدع، وعندي ما هو أعجب من هذا وأغرب، وهو زوج حمام راعبيّ يبيض في نيّف وعشرين يوما بيضتين، فأنتزعهما من تحته وأضع مكانهما صنجة مائة وصنجة خمسين، فإذا انتهى مدة الحضان تفقست الصنجتان عن طست وإبريق أو سطل وكرنيب، فعمّنا الضحك، وفطن الجهنّي لما قصده أبو الفرج من الطنز، وانقبض عن كثير مما كان يحكيه ويتسمّح فيه، وإن لم يخل في الأيام من الشيء بعد الشيء منه.
ومن عجيب ما مرّ بي من الكذب حكاية أوردها غرس النعمة عقيب هذه، قال:
كان لوالدي تاجر يعرف بأبي طالب وكان معروفا بالكذب، فأذكر وقد حكى في مجلسه، والناس حضور عنده، أنه كان في معسكر محمود بن سبكتكين صاحب خراسان ببخارى معه، وقد جاء من البرد أمر عظيم جمد منه المري حتى قدّ وفري وعملت منه خفاف، وأن الناس كانوا ينزلون في المعسكر فلا يسمع لهم صوت ولا حديث ولا حركة حتى ضرب الطبل في أوقات الصلوات، فإذا أصبح الناس وطلعت