بخطه: ما هذه الشناعة، ومن فسح لك في هذه الإذاعة، وما أوجب خروجك عن الطاعة؟! ولكن أنا جنيت على نفسي وعليك، ملكتك فطغيت، وأطعتك فتعديت، وما أحتشم أن أقول: هذا تعرض للاعراض عنك والسلام. فعلمت أنني قد أخطأت، وسقطت- شهد الله- قوتي وحركتي «١» فأخذتني الندامة والحيرة، ثم أذن لي فدخلت فقبلت يده، فمنعني، وقلت: يا سيدي غلطة غلطتها وهفوة هفوتها فإن لم تتجاوز عنها وتعف هلكت، فقال لي: أنت في أوسع العذر بعد أن لا يكون لها أخت، وعاتبني على ذلك عتابا عرفت صحته، ولم تمض إلا مديدة حتى قبض على أبيه، وهرب، فاحتاج إلى الاستتار، فلم يأنس هو وأهله إلا بكونه عندي، فأنا على غفلة إذ دخل في خفّ وإزار، وكادت مرارتي تنفطر فرحا، فتلقيته «٢» أقبّل رجليه وهو يضحك ويقول: يأتيها رزقها وهي نائمة، هذا يا حبيبي بخت من لا يصوم ولا يصلّي في الحقيقة، وكان أخفّ الناس روحا وأمتعهم «٣» لنادرة، وبتنا في تلك الليلة عروسين لا نعقل سكرا، واصطبحنا وقلت هذه الأبيات:
بت وبات الحبيب ندماني ... من بعد نأي وطول هجران
نشرب قفصيّة معتّقة ... بحانة الشطّ منذ أزمان
وكلما دارت الكؤوس لنا ... ألثمني فاه ثم غناني
الحمد لله لا شريك له ... أطاعني الدهر بعد عصيان
ولم يزل مقيما عندي نحو الشهر حتى استقام أمر أبيه ثم عاد إلى داره.
وحدث الحسن بن الحسين النعال قال، قال أبو الفرج الأصبهاني: بلغ أبا الحسن جحظة أن مدرك بن محمد الشيباني الشاعر ذكره بسوء في مجلس كنت حاضره فكتب إليّ:
أبا فرج أهجى لديك ويعتدى ... عليّ فلا تحمى لذاك وتغضب
لعمرك ما أنصفتني في مودتي ... فكن معتبا إن الأكارم تعتب