مستقبل ما جاز فيه غدا، فكان أبو يوسف بعد ذلك يمدح العربية والنحو.
وحدث فيما رفعه إلى إبراهيم بن إسماعيل الكاتب قال «١» : سأل اليزيدي الكسائي بحضرة الرشيد قال: انظر في هذا الشعر عيب، وأنشده:
ما رأينا خربا ن ... فّر عنه البيض صقر
لا يكون العير مهرا ... لا يكون المهر مهر
فقال الكسائي: قد أقوى الشاعر، فقال له اليزيدي: انظر فيه، فقال: أقوى لا بدّ أن ينصب المهر الثاني على أنه خبر كان، قال: فضرب اليزيديّ بقلنسوته الأرض وقال: أنا أبو محمد، الشعر صواب، إنما ابتدأ فقال المهر مهر، فقال له يحيى بن خالد: أتتكنّى بحضرة أمير المؤمنين وتكشف رأسك؟! والله لخطأ الكسائي مع أدبه أحبّ إلينا من صوابك مع سوء فعلتك «٢» ، فقال: لذة الغلب أنستني من هذا ما أحسن.
حدث المرزباني، حدث محمد بن إبراهيم، حدثنا عبد الله بن أبي سعد الوراق، حدثنا النعمان بن هارون الشيباني قال: كان أبو نواس يختلف إلى محمد بن زبيدة، وكان الكسائي يعلّمه النحو، فقال أبو نواس: إني أريد أن أقبّل محمّدا قبلة، فقال له الكسائي: إن عليّ في هذا وصمة وأكره أن يبلغ هذا أمير المؤمنين، فقال أبو نواس: إنك إن تركتني أقبله وإلا قلت فيك أبياتا أرفعها إلى أمير المؤمنين، فأبى عليه الكسائي وظنّ أنه لا يفعل، فكتب أبو نواس رقعة:
قل للامام جزاك الله صالحة ... لا تجمع الدهر بين السخل والذيب
فالسخل غرّ وهمّ الذئب غفلته ... والذئب يعلم ما بالسخل من طيب
ودفعها إلى بعض الخدم ليوصلها إلى الرشيد، فجاء بها الخادم إلى الكسائي، فلما قرأها علم أنه شعر أبي نواس، فقال له ويحك: هذا أمر عظيم، سأتلطّف لك، فغب أياما ثم احضر وسلّم عليّ وعلى محمد فستبلغ حاجتك، فغاب وتحدث الكسائي أن أبا نواس غائب، ثم جاء فقام إليه الكسائي فسلّم عليه وعانقه، وسلم أبو