(النساء: ٩) فأملت ضعافا، فلما سلمت ضربوني بالنعال والأيدي وغير ذلك حتى غشي عليّ، واتصل الخبر بالرشيد فوجّه بمن استنقذني، فلما جئته قال لي: ما شأنك، فقلت له: قرأت لهم ببعض قراءة حمزة الرديئة ففعلوا بي ما بلغ أمير المؤمنين، فقال بئس ما صنعت، ثم ترك الكسائي كثيرا من قراءة حمزة.
وحدّث فيما رفعه إلى الأحمر النحوي قال «١» : دخل أبو يوسف القاضي (وقال عبد الله بن جعفر: محمد بن الحسن) على الرشيد وعنده الكسائي يحدثه، فقال:
يا أمير المؤمنين قد سعد بك هذا الكوفي وشغلك، فقال الرشيد: النحو يستفرغني لأنني أستدلّ به على القرآن والشعر، فقال محمد بن الحسن أو أبو يوسف: إن علم النحو إذا بلغ فيه الرجل الغاية صار معلّما، والفقه إذا عرف الرجل منه جملة صار قاضيا، فقال الكسائي: أنا أفضل منك لأني أحسن ما تحسن وأحسن ما لا تحسن، ثم التفت إلى الرشيد وقال: إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن له في جوابي عن مسألة من الفقه، فضحك الرشيد وقال: أبلغت يا كسائي إلى هذا، ثم قال لأبي يوسف:
أجبه، فقال الكسائي: ما تقول لرجل قال لامرأته: أنت طالق إن دخلت الدار، فقال أبو يوسف: إن دخلت الدار طلقت، فقال الكسائي: خطأ، إذا فتحت أن فقد وجب الأمر، وإذا كسرت فإنه لم يقع الطلاق بعد، فنظر أبو يوسف بعد ذلك في النحو.
وحدث أيضا عمن سمع الكسائي يقول «٢» : اجتمعت أنا وأبو يوسف القاضي عند هارون الرشيد، فجعل أبو يوسف يذمّ النحو ويقول: وما النحو؟ فقلت:
- وأردت أن أعلمه فضل النحو- ما تقول في رجل قال لرجل أنا قاتل غلامك، وقال له آخر أنا قاتل غلامك، أيهما كنت تأخذ به، قال: آخذهما جميعا، فقال له هارون:
أخطأت، وكان له علم بالعربية، فاستحيا وقال: كيف ذلك؟ قال: الذي يؤخذ بقتل الغلام هو الذي قال أنا قاتل غلامك بالاضافة لأنه فعل ماض، وأما الذي قال أنا قاتل غلامك بالنصب فلا يؤخذ لأنه مستقبل لم يكن بعد، كما قال الله عز وجل: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ