ويرضى برأيه: اذهب بهذين إلى الكسائي حتى يتناظرا بين يديه، ثم ليخبرك لمن الفلج منهما، فلما صار في بعض الطريق قال إبراهيم النظام لضرار: أنت تعلم أنّ الكسائي لا يحسن شيئا من النظر، وإنما معوّله على النحو والحساب، ولكن تهيء له مسألة نحو وأهيّء له مسألة حساب فنشغله بهما، لأنا لا نأمن أن يسمع منا ما لم يسمعه ولم يبلغه فهمه أن ينسبنا إلى الزندقة، فلما صارا إليه سلما عليه، ثم بدأ ضرار فقال:
أسألك أصلحك الله عن مسألة من النحو، قال: هاتها قال: ما حدّ الفاعل والمفعول به؟ قال الكسائي: حدّ الفاعل الرفع أبدا وحدّ المفعول به النصب أبدا، قال فكيف تقول: ضرب زيد؟ قال: ضرب زيد قال: فلم رفعت زيدا وقد شرطت أن المفعول به منصوب أبدا، قال: لأنه لم يسمّ فاعله، قال له: فقد أخطأت في العبارة إذ لم تقل إن من المفعولين من إذا لم يسمّ فاعله كان مرفوعا، ومن جعل لك الحكم بأن تجعل الرفع لمن لم يسمّ فاعله؟ قال: لأنا إذا لم نذكر الفاعل أقمنا المفعول به مقامه، لأنّ الفعل الواقع عليه غير مستحكم النقص، وعدم «١» النقص مطابق للرفع، فإذا ذكرنا من فعل به وأفصحنا بذلك نصبناه، قال له: فإن كان النصب مطابقا للنقص فمن لم يسمّ فاعله أولى به لأنا إذا قلنا ضرب زيد فقد يمكن أن يكون ضربه مائة رجل، وإذا قلنا ضرب عبد الله زيدا فلم يضربه إلا رجل واحد، فالذي أمكن أن يضربه مائة رجل أولى بالنصب والنقص ممن لم يضربه إلا رجل واحد، فوقف الكسائي فلم يدر ما يقول. ثم قال له إبراهيم: أسألك- أصلحك الله- عن مسألة من الحساب، قال:
قل، قال: كم جذر عشرة، قال: اجتمع الحسّاب على أنه لا جذر لعشرة، قال:
فهل علم الله جذرها؟ قال الله عالم كلّ شيء، قال: فما أنكرت أن يكون الله إذ علم كلّ شيء ألقاه إلى نبيّ من أنبيائه، ثم ألقاه ذلك النبي إلى صفيّ من أصفيائه، فلم يزل ذلك العلم ينمي حتى صار علم جذر عشرة عندي وأكون أعلم جذرها ولا تعلمه أنت وتكون مخطئا فيما قلت؟ فالتفت الكسائي إلى الغلام وقال: اذهب بهذين إلى أمير المؤمنين فقل: إنهما زنديقان كافران بالله العظيم، قال: وكان الخادم لبيبا حصيفا فأحسن العبارة عنهما وحسّن أمورهما فأمر لهما بجائزة سنية وصرفهما.