وحدث هارون بن علي المنجم في «أماليه» عن أبي توبة قال «١» : سمعت الفراء يقول: مدحني رجل من النحويين فقال لي: ما اختلافك إلى الكسائي وأنت مثله في النحو؟ فأعجبتني نفسي فأتيته فناظرته مناظرة الأكفاء، فكأني كنت طائرا يغرف من البحر بمنقاره.
وحدث محمد بن إسحاق النديم قال «٢» : قرأت بخط أبي الطيب ابن أخي الشافعي قال: أشرف الرشيد على الكسائي وهو لا يراه، فقام الكسائي ليلبس نعله لحاجة يريدها، فابتدرها الأمين والمأمون، وكان مؤدبهما، فوضعاها بين يديه، فقبل رؤوسهما وأيديهما ثم أقسم عليهما ألّا يعاودا، فلما جلس الرشيد مجلسه قال: أيّ الناس أكرم خدما؟ قال: أمير المؤمنين أعزه الله، قال: بل الكسائي يخدمه الأمين والمأمون، وحدثهم الحديث.
حدث السلامي قال: حضر مجلس الكسائي أعرابيّ وهم يتحاورون في النحو، فأعجبه ذلك، ثم تناظروا في التصريف فلم يهتد إلى ما يقولون، ففارقهم وأنشأ يقول:
ما زال أخذهم في النحو يعجبني ... حتى تعاطوا كلام الزنج والروم
بمفعل فعل لا طاب من كلم ... كأنه زجل الغربان والبوم
وقرأت بخط أبي سعيد عبد الرحمن بن علي اليزدادي اللغوي الكاتب في «كتاب جلاء المعرفة» من تصنيفه «٣» : قيل اجتمع إبراهيم النظام وضرار بين يدي الرشيد فتناظرا في القدر حتى دقّت مناظرتهما فلم يفهمهما، فقال لبعض خدمه ومن يثق به