للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العميد بخبره، وقيل إنه تبع جنازته ماشيا وأهل الدولة كلهم، ودفن في مقابر قريش وقبره هناك معروف.

قال الخالع: ولم يخلّف عقبا، ولا علمت أنه تزوج قط، وكان يميل إلى الأحداث، ولا يشرب النبيذ، وله في المجون والولع طبقة عالية، وعنه أخذ مجّان باب الطاق كلّهم هذه الطريقة. وكان يخلط بجدله ومناظراته هزلا مستملحا ومجونا مستطابا يعتمد به إخجال خصمه وكسر حدّه، وله في ذلك أخبار مشهورة. وكانت له جارية سوداء تخدمه، فدخل يوما إلى دار أخته وأنا معه، فرأى صبيا صغيرا أسود فقال لها: من هذا؟ فسكتت، فألحّ عليها فقالت: ابن بشارة، فقال: ممن؟ فقالت:

من أجل هذا أمسكت، فاستدعى الجارية وقال لها: هذا الصبيّ من أبوه؟ فقالت: ما له أب، فالتفت إليّ فقال: سلّم إذن على المسيح عليه السلام.

قال ابن عبد الرحيم حدثني الخالع قال حدثني الناشىء قال: أدخلني ابن رائق على الراضي بالله، وكنت مدّاحا لابن رائق ونافقا عليه، فلما وصلت إلى الراضي قال لي: أنت الناشىء الرافضيّ؟ فقلت: خادم أمير المؤمنين الشيعي، فقال: من أيّ الشيعة؟ قلت: شيعة بني هاشم، فقال: هذا خبث حيلة، فقلت: مع طهارة مولد، فقال: هات ما معك، فأنشدته فأمر أن يخلع عليّ عشر قطع ثيابا وأعطى أربعة آلاف درهم، فأخرج إليّ ذلك وتسلمته، وعدت إلى حضرته فقبلت الأرض وشكرته وقلت: أنا ممن يلبس الطيلسان، فقال: ها هنا طيالس عدنية أعطوه منها طيلسانا وأضيفوا إليها عمامة خزّ ففعلوا، فقال: أنشدني من شعرك في بني هاشم فأنشدته:

بني العباس إن لكم دماء ... أراقتها أمية بالذحول

فليس بهاشميّ من يوالي ... أمية واللعين أبا زبيل

فقال: ما بينك وبين أبي زبيل؟ فقلت: أمير المؤمنين أعلم، فتبسم وقال:

انصرف.

قال الخالع: وشاهدت العمامة والطيلسان معه وبقيا عنده إلى أن مات.

قال وحدثني الخالع قال: كان أبو الحسين شيخا طويلا جسيما عظيم الخلقة عريض الألواح موفّر القوة جهوريّ الصوت، عمّر نيّفا وتسعين سنة، لم تضطرب أسنانه ولا قلع سنّا منها ولا من أضراسه، وكان يعمل الصّفر ويخرّمه، وله فيه صنعة

<<  <  ج: ص:  >  >>