وحمل تابوته إلى جرجان فدفن بها وصلّى عليه القاضي أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد، وحضر جنازته الوزير الخطير أبو علي القاسم بن علي بن القاسم وزير مجد الدولة وأبو الفضل العارض راجلين، ووقع الاختيار بعد موته على أبي موسى عيسى بن أحمد الديلمي فاستدعي من قزوين وولي قضاء القضاة بالري.
وله يقول الصاحب ابن عباد وقد أنشأ عهدا للقاضي عبد الجبار على قضاء الريّ:
إذا نحن سلّمنا لك العلم كلّه ... فدعنا وهذي الكتب نحسن صدورها
فانهم لا يرتضون مجيئنا ... بجزع إذا نظّمت أنت شذورها
وكان الشيخ عبد القاهر الجرجاني قد قرأ عليه واغترف من بحره، وكان إذا ذكره في كتبه تبخبخ به وشمخ بأنفه بالانتماء إليه.
وطوّف في صباه البلاد وخالط العباد، واقتبس العلوم والآداب، ولقي مشايخ وقته وعلماء عصره، وله رسائل مدوّنة وأشعار مفننة، وكان جيد الخط مليحه يشبّه بخطّ ابن مقلة.
ومن شعره «١» :
أفدي الذي قال وفي كفّه ... مثل الذي أشرب من فيه
الورد قد أينع في وجنتي ... قلت فمي باللثم يجنيه
ومنه «٢» :
يقولون لي فيك انقباض وإنما ... رأوا رجلا عن موقف الذلّ أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزة النفس أكرما
وما زلت منحازا بعرضي جانبا ... من الذمّ أعتدّ الصيانة مغنما
إذا قيل هذا مشرب قلت قد أرى ... ولكنّ نفس الحرّ تحتمل الظما
وما كلّ برق لاح لي يستفزّني ... ولا كلّ أهل الأرض أرضاه منعما