يتعرف «١» النّجح فيها، فان رأى الأمير أن يجعل من حظوظي الجسيمة عنده تعهد القاضي أبي الحسن بما يعجّل ردّه، فإني ما غاب كالمضلّ الناشد وإذا عاد كالغانم الواجد، فعل إن شاء الله.
ولما عمل «٢» الصاحب رسالته المعروفة في إظهار مساوىء المتنبىء عمل القاضي أبو الحسن «كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه» في شعره فأحسن وأبدع وأطال وأطاب، وأصاب شاكلة الصواب، واستولى على الأمد في فصل الخطاب، وأعرب عن تبحره في الأدب وعلم العرب، وتمكنه من جودة الحفظ وقوة النقد، فسار الكتاب مسير الرياح، وطار في البلاد بغير جناح، وقال فيه بعض النيسابوريين البيتين المقدم ذكرهما.
ومن شعره»
:
انثر على خدّيّ من وردك ... أو دع فمي يقطفه من خدّك
ارحم قضيب البان وارفق به ... قد خفت أن ينقدّ من قدك
وقل لعينيك بنفسي هما ... يخفّفان السقم عن عبدك
وله «٤» :
وفارقت حتى ما أسرّ بمن دنا ... مخافة نأي أو حذار صدود
فقد جعلت نفسي تقول لمقلتي ... وقد قربوا خوف التباعد جودي
فليس قريبا من يخاف بعاده ... ولا من يرجّى قربه ببعيد