قال الصولي: ولا أعلم أنني خاطبت أحدا أعرف منه بالشعر وكان يوقّع بيده في جميع ما يحتاج إليه مما كان يوقّع فيه أصحاب الدواوين في وزارته من قبله، وكان يحضر مائدته وهو متولّ على ديوان المغرب جماعة من أهل العلم في كل ليلة. قال الصولي: ثم رأيتها وقد نقصت عند وزارته، فسألت أبا العباس أحمد بن طومار الهاشمي عن السبب فقال: قد اقتصر في نفقته وأجرى الفاضل على أولاد الصحابة بالمدينة. وجلس للمظالم فأنصف الناس فأخذ للضعيف من القوي، وتناصف الناس بينهم، ولم يروا أعفّ بطنا ولسانا وفرجا منه. ولما عزل في وزارته الثانية وولي ابن الفرات لم يقنع المحسن بن أبي الحسن ابن الفرات إلا بإخراجه عن بغداد فخرج إلى مكة فأقام بها مهاجرا، وقال في نكبته «١» :
ومن يك عني سائلا لشماتة ... لما نابني أو شامتا غير سائل
فقد أبرزت مني الخطوب ابن حرّة ... صبورا على أهوال تلك الزلازل
إذا سرّ لم يبطر وليس لنكبة ... إذا نزلت بالخاشع المتضائل
ولما حبس كان يلبس ثيابه ويتوضأ للصلاة ويقوم ليخرج لصلاة الجمعة فيردّه المتوكلون، فيرفع يده إلى السماء ويقول: اللهم إني أشهدك أنني أريد طاعتك ويمنعني هؤلاء. وأشار على المقتدر أن يقف المستغلّات ببغداد على الحرمين والثغور، وغلتها ثلاثة عشر ألف دينار في كل شهر، والضياع الموروثة بالسواد وارتفاعها نيف وثمانون الف دينار سوى اللغة، ففعل ذلك، وأشهد على نفسه الشهود، وأفرد لهذه الوقوف ديوانا سماه ديوان البرّ. ورأى آثار سعيه لآخرته في دنياه، فإنه سلم من جميع البلاء على كثرة من عاداه وقصده، ومنع حواشي المقتدر من المحالات، وحملهم على السيرة الجميلة فأفسدوا أمره حتى اعتقل ثمانية عشر شهرا ثم نفي إلى مكة واليمن ومصر، ثم عاد ووزر بعد ذلك. واحتاج إلى المشي في بعض أسفاره فجعل يتمثل:
قد علمت إخوتنا كلاب ... أنا على دقّتنا صلاب
وكان الديلم عند دخولهم إلى بغداد إذا اجتازوا على محلته تجنبوها ويقولون: