هاهنا دار الوزير الصالح، وكانت داره على دجلة وهي المعروفة بالستّيني واحتاجت مسنّاتها إلى مرمّة فقدروا لها صناعها ثلاثة آلاف دينار فلما أحضر الدنانير قال: صرفها في الصدقة أولى. وليس اليوم على دجلة بين البلد والمعزية غيرها وهي مشهورة ببغداد إلى يومنا هذا، قد عمل عليها عدة دواليب لسقي مزارع الزاهر.
ونزل يوما في طياره فاجتمع عليه قوم يسألونه توقيعا فقال: نعم وكرامة حتى أرجع وأوقع، ثم قال: ومن لي بأن أرجع، ووقع لهم قائما ثم قال: اقتديت بهذا الفعل بعمر بن عبد العزيز فإنه وقف على متظلم وأطال الوقوف حتى قضى حاجته وقال: إن الخير سريع الذهاب وخشيت أن أفوته بنفسي.
ولما ورد البريديّ إلى بغداد مستوليا عليها متغلبا خوّف منه وقيل: الصواب أن تهرب إلى الموصل، فقال: أيهرب مخلوق إلى مخلوق؟! اصرفوا ما أعددته لنفقة الطريق إلى الفقراء، فلما دخل البريدي لم يكرم أحدا غيره. وكثر الموتان ببغداد في أيام البريدي فكفّن علي بن عيسى من الغرباء والفقراء ما لا يحصى كثرة حتى نفد ما كان عنده فاستدان لذلك أموالا كثيرة. وكان يجري على خمسة وأربعين ألف إنسان جرايات تكفيهم، وخدم السلطان سبعين سنة لم يزل فيها نعمة عن أحد، وأحصي له في أيام وزارته نيف وثلاثون ألف توقيع من الكلام السديد، ولم يقتل أحدا ولا سعى في دمه، فبقيت عليه نعمته وعلى ولده بعد أن شحذت له المدى مرارا فدفع الله عنه وأهلك ظالمه، ولم يهتك حرمة قطّ لأحد فلم يهتك الله له حرمة مع كثرة نكباته.
وكان على خاتمه مكتوب:
لله صنع خفيّ ... في كلّ أمر يخاف
وكان له ابن يكنى أبا نصر واسمه ابراهيم وزر للمطيع في شهر ربيع الأول سنة سبع وأربعين ومات في جمادى الأولى سنة خمسين وثلاثمائة فجاءة، وبن يكنى أبا القاسم واسمه عيسى بن علي كتب للطائع لله.
ودخل علي بن عيسى على أبي نصر وأبي محمد ولدي القاضي أبي الحسن عمر بن أبي عمر محمد بن يوسف يعزيهما بموت أبيهما، فلما أراد الانصراف التفت