للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فغضب أبو رياش ونهض، فأمر أبي بإجلاسه وقال للحاضر القائل: ولا كلّ ذا، وترضّاه ووهب له دراهم صالحة القدر.

قال: وأخبرني من حضر مجلس أبي محمد المافروخيّ عامل البصرة، وقد تناظرا في شيء من اللغة اختلفا فيه، فقال أبو رياش: كذا أخبرتني عمتي أو جدتي في البادية عن العرب ووجدتها تتكلم به، فقال له أبو الحسين محمد بن محمد بن جعفر بن لنكك الشاعر، وكان حاضرا: اللغة لا تؤخذ عن البغيّات، فأمسك خجلا.

وكان أبو محمد المافروخي قد ولّاه الرسم على المراكب بعبادان بحار سابع [؟] وأحسن إليه واختاره عصبية منه للعلم والأدب، فقال ابن لنكك:

أبو رياش ولي الرسما ... وكيف لا يصفع أو يعمى

يا ربّ جدي دقّ في خصره ... ثم أتانا بقفا يدمى

قال: وحدثني أبو رياش قال مدحت الوزير المهلبي فتأخرت صلته وطال ترددي إليه، فقلت [١] :

وقائلة قد مدحت الوزير ... وهو المؤمّل والمستماح

فماذا أفادك ذاك المديح ... وهذا الغدوّ وذاك الرواح

فقلت لها ليس يدري امرؤ ... بأيّ الأمور يكون الصلاح

عليّ التقلب والإضطراب ... جهدي وليس علي النجاح

قال المؤلف: وأما أبو محمد المافروخي الذي تقدم ذكره مكررا فهو أبو محمد عبد العزيز بن أحمد المافروخي، كان يتقلّد عمالة البصرة، وكان من العلم والجلالة على ما تقدم ذكره، وكان مع ذلك تمتاما يكرّر الحرف في كلامه، وهو الذي تسميه العامة فأفاء، وكان مستغلقا جدا. فحدث التنوخي أنه اعترض جملا يسير في صحن الدار بحضرته ووقف ليخاطب عليه، فلم يرضه فقال: أخرجوه عني، وكرر أخ أخ لأجل عقلة لسانه، فبرك الجمل لأنه ظنّ أنه يقال له ذلك، كما يقال إذا أريد منه البروك. قال: وكان إذا أنشد الشعر أو قرأ القرآن قرأه وأورده على أحسن ما يكون من


[١] نشوار المحاضرة ٢: ١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>