فدهشت وارتعشت يدي في اللعب خوفا مما يلحق ابن بسّام للقرابة التي بيني وبينه، فقال المعتضد: مالك؟ قلت: يا أمير المؤمنين القاسم بن عبيد الله لا يصطلى بناره، وكأني به وقد قطع لسان البسامي حنقا عليه، وهو أحد النبلاء الشعراء، فيكون ذلك سبة على أمير المؤمنين، فأمر باحضار القاسم وسأله عما فعله في أمر ابن بسام، فقال: قد تقدمت إلى مؤنس باحضاره لأقطع لسانه فقال: يا أبا الحسين إنما أمرناك أن تقطع لسانه بالبر والصلة والتكرمة ليعدل عن هجائك إلى مدحك، فقال: يا أمير المؤمنين لو عرفته حق المعرفة وعلمت ما قاله لاستجزت قطع رأسه- عرّض بما قاله في المعتضد ودريرة- فتبسم المعتضد وقال: يا أبا الحسين إنما أمرنا بتخريب البحيرة لذلك، فتقدم أنت باحضاره وأخرج إليه ثلاثمائة دينار فإن ذلك أولى وأحسن من غيره، قال فأحضره القاسم بعد ثالثة وخلع عليه وولّاه بريد الصيمرة وما والاها، فبقي في عمله إلى آخر أيام المعتضد، ثم جمح به طبعه إلى إعادة الاساءة فقال:
أبلغ وزير الإمام عني ... وناد يا ذا المصيبتين
يموت حلف الندى ويبقى ... حلف المخازي أبو الحسين
فأنت من ذا عميد قلب ... وأنت من ذا سخين عين
حياة هذا كموت هذا ... فالطم على الرأس باليدين
قال جحظة «١» : كان ابن بسام يفخر بقوله فيّ:
يا من هجوناه فغنانا ... أنت وحقّ الله أهجانا
فقلت: هذا معنى لم يسبق إليه خاطر ابن بسام، وإن كان قد أتى به مطبوعا، وإنما أخذه من قول ابن الرومي في هجائه شنطف «٢» :
وفي قبحها كاف لنا من كيادها ... ولكنها في فعلها تتبرّد
ولو علمت ما كايدتنا لانها ... بانفاسها والوجه والطبل أكيد
وقال ابن بسام في الوزير الخاقاني:
وزير ما يفيق من الرقاعه ... يولّي ثم يعزل بعد ساعه