أبو عبد الله البريدي قد استخلفه بواسط على بعض أمور النظر. ولم يزل نبيها متقدما يمدحه الشعراء ويجيزهم ويفضل على من قصده إفضالا أثر في حاله، وتوفي بالبصرة في سنة اثنتين وأربعين، وصلّى عليه الوزير أبو محمد المهلبي، وقضى ما كان عليه من الدين وهو خمسون ألف درهم.
قال أبو علي التنوخي «١» : كان أبي يحفظ للطائيين سبعمائة قصيدة ومقطوعة سوى ما يحفظه لغيرهم من المحدثين والمخضرمين «٢» والجاهليين ولقد رأيت له دفترا بخطه هو عندي يحتوي على رؤوس ما يحفظه من القصائد مائتين «٣» وثلاثين ورقة أثمان منصوري لطاف، وكان يحفظ من النحو واللغة شيئا عظيما مع ذلك، وكان الفقه والفرائض والشروط والمحاضر والسجلات رأس ماله، وكان يحفظ منه ما قد اشتهر به من الكلام والمنطق والهندسة، وكان في النجوم وحفظ الأحكام وعلى الهيئة قدوة وفي حفظ علم العروض، وله فيه وفي الفقه وغيرهما عدة كتب مصنفة، وكان مع ذلك يحفظ ويجيب في فوق «٤» عشرين ألف حديث، وما رأيت أحدا أحفظ منه، ولولا أن حفظه افترق في جميع هذه العلوم لكان أمرا هائلا.
قال أبو منصور الثعالبي «٥» : هو من أعيان أهل العلم والأدب، وأفراد الكرم وحسن الشيم، وكان كما قرأته في فصل للصاحب: إن أردت فإني سبحة ناسك، أو أحببت فإني تفاحة فاتك، او اقترحت فإني مدرعة راهب، أو آثرت فإني تحية شارب. وكان يتقلد قضاء البصرة والأهواز بضع سنين، وحين صرف عنه ورد حضرة سيف الدولة زائرا ومادحا فأكرم مثواه وأحسن قراه، وكتب في معناه إلى الحضرة ببغداد حتى أعيد إلى عمله وزيد في رزقه ورتبته، وكان المهلبي الوزير وغيره من رؤساء