الخلاف الذي وقع بينه وبين الأتراك المستعصين عليه، فأقام هناك وواطأ بختيار في أمور خالف فيها عضد الدولة، وذاك أن عضد الدولة لما عاد من بغداد إلى فارس شرط على ابن العميد أن لا يقيم ببغداد بعده إلا ثلاثة أيام ثم يلحق بوالده بالريّ، فلما خرج عضد الدولة طابت لابن العميد بغداد، فاتبع هوى صباه وأحبّ الخلاعة والدخول مع بختيار في أفانين لهوه ولعبه، ووجد خلوّ ذرع من أشغاله وراحة من تدبير أمر صاحبه ركن الدولة مدة، وحصلت له زبازب ودور على الشط وستارات غناء محسنات، وتمكّن من اللذات، وعرف بختيار له ما صنع من الجميل في بابه لأنه كان قد جرّد الفعل والقول في ردّ عضد الدولة عن بغداد بعد أن نشبت فيها مخالبه وتملّكها وقبض على بختيار واستظهر عليه، فلخصه وأعاد ملكه عليه، وصرف عضد الدولة عن بغداد، فكان يراه بختيار بصورة من خلّصه من مخاليب الأسد بعد أن افترسه، وإن سعيه بين ركن الدولة وعضد الدولة هو الذي ردّ عليه ملكه، فبسطه وعرض عليه وزارته وتمكينه من ممالكه على رسمه وألا يعارضه في شيء يدبره ويراه، فلم يجبه إلى ذلك وقال: لي والدة وأهل وولد ونعمة قد رتبت منذ خمسين سنة، وهي كلها في يد ركن الدولة، ولا أستطيع مفارقته ولا يحسن بي أن يتحدث عني بمخالفته ولا يتم أيضا لك مع ما عاملك به من الجميل، ولكني أعاهدك إن قضى الله عز وجل على ركن الدولة ما هو قاض على جميع خلقه أن أصير إليك مع قطعة عظيمة من عسكره فإنهم لا يخالفوني، وركن الدولة مع ذلك هامة اليوم أو غد، وليس يتأخر أمره. واستقر بينهما ذلك سرّا لم يطلع عليه إلا محمد بن عمر العلوي فإنه توسّط بينهما وأخذ عهد كلّ واحد منهما على صاحبه، ولم يظهر ذلك لأحد حتى حدثني به محمد بن عمر بعد هلاك أبي الفتح. ولكن الغلط العظيم من أبي الفتح أنه كان أقام ببغداد مدة طويلة وحصل أملاكا اقتناها هناك وإقطاعات اكتتبها وأصولا أصّلها على العود إليها، ثم التمس لقبا من السلطان وخلعا وأحوالا لا تشبه ما فارقه عضد الدولة عليها، ثم استخلف ببغداد بعض أولاد التّناء بشيراز يعرف بأبي الحسن ابن أبي شجاع الأرّجانيّ من غير اختبار له ولا خلطة قديمة تكشف له أمره، فلما خرج كانت تلك الأسرار التي بينه وبين بختيار والتراجم بينهما تدور كلها على يده ويتوسطها ويهدي إلى عضد الدولة جميعها ويتقرب إليه بها، فلما عرف عضد الدولة حقيقة الأمر ومخالفة أبي الفتح ابن العميد له ودخوله