للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعود إلى صاحبه بما به لم يثلم عسكره ولا خاطر بهم وأن يلحق بمكانه من الوزارة قبل أن يطمع فيه أولى وأشبه بالصواب. وقد كان أبو علي محمد بن أحمد بن البيع خليفة أبيه قد تمكن من ركن الدولة وقبل ذلك ما عرفه بالكفاية والسداد وأرجف له بالوزارة، فسفر المتوسطون بينه وبين حسنويه إلى أن تقرر أمره على خمسين ألف دينار، وجبى كورة الجبل وجمع من الدوابّ والبغال وسائر التحف ما بلغ مقداره مائة ألف دينار، ووردت عليه كتب ركن الدولة بما قوّى قلبه وشدّ منّته وأحمد جميع ما دبره وأمره بالعودة إلى الحضرة بالريّ.

قال «١» : وفي سنة احدى وستين تمكن أبو الفتح ابن العميد من الوزارة بعد أبيه، وفوض إليه ركن الدولة تدبير ممالكه، ومكنه من أعنّه الخيل، فصار وزيرا وصاحب جيش على رسم والده، إلا أن والده باشر هذه الأمور في كمال من أدواته وتمام من آلاته فدبره بالحزم والحنكة، وأما أبو الفتح فكان فيه مع رجاحته وفضله في أدب الكتابة وتيقظه وفراسته نزق الحداثة وسكر الشباب وجرأة القدرة، فأجرى أمره على ما تقدّم من إظهار الزينة الكثيرة واستخدام الديلم والأتراك والاحتشاد في المواكب والدعوات حتى خرج به عن حدّ القصد إلى الإسراف، فجلب ذلك عليه ضروب الحسد من ضروب السلاطين وأصحاب السيوف والأقلام. وكان صاحبه ركن الدولة قد شاخ وسئم ملابسة أمور الجند وأحبّ الراحة والدعة، ففوض إليه الأمور، ورآه شابا قد استقبل الدنيا استقبالا فهو يحبّ التعب الذي قاساه ركن الدولة ثم ملّه، ويستلذّ فيه الانتصاب للأمر والنهي ومخالطة الجند والركوب إلى الصيد ومشي خواصّ الديلم وكبار الجند بين يديه، ثم مشاربتهم ومؤانستهم والاحسان إليهم بالخلع والحملان، فأوّل من أنكر هذا الفعل عليه عضد الدولة ومؤيد الدولة ابنا ركن الدولة وكتّابهما ثم سائر مشايخ الدولة، ورأوه يركب في موكب عظيم ويغشى الدار، فإذا خرج تبعه الجميع وخلت دار الإمارة حتى لا يوجد فيها إلا المستخدمون من الاتباع والحاشية، ثم تراقى أمره في قيادة الجيش والتحقق به إلى أن ندب إلى الخروج إلى العراق في جيش كثيف من الريّ والاجتماع مع عضد الدولة لنصرة بختيار بن معز الدولة في

<<  <  ج: ص:  >  >>