وسأل عن الخبر فلم يجد حاجبا يخبره ولا من جرت العادة بمسايرته غيري، فسألني عن الخبر فقلت له: إن الجماعة بأسرها مالت مع أبي الفتح إلى الصيد، فأمسك حتى نزل في معسكره ثم سأل عمن جرت العادة باستدعائه للطعام- وكان يحضره في كلّ يوم عشرة من القواد على مائدته التي تخصّه وعدة من القواد على أطباق توضع لهم وذلك على نوبة معروفة يسعى فيها نقباؤهم- فلما كان في ذلك اليوم لم يحضر أحد واستقصى في السؤال فقيل: إن أبا الفتح أضافهم في الصحراء، فاستشاط «١» من ذلك وساءه أن يجري مثل هذا ولا يستأذن فيه، وقد كان أنكر خلوّ موكبه وهو في وجه حرب، ولم يأمن أن يستمرّ هذا التشتت من العسكر فتتم عليه حيلة، فدعا أكبر حجابه ووصّاه أن يحجب عنه ابنه أبا الفتح وأن يوصي النقباء بمنع الديلم من مسايرته ومخالطته، وظنّ أن هذا المبلغ من الانكار سيغضّ منه وينهى العسكر عن اتباعه على هواه، فلم يؤثر كلامه هذا كبير أثر، وعاد الفتى إلى عادته واتّبعه العسكر ومالوا معه إلى اللعب والصيد والأكل والشرب، وكان لا يخليهم من الخلع والألطاف، فشقّ ذلك على الأستاذ الرئيس جدّا ولم يحبّ أن يخرق هيبة نفسه باظهار ما في قلبه ولا المبالغة في الانكار وهو في مثل هذا الوجه فيفسد عسكره ويطمع فيه عدوه، فدارى أمره وتجرّع غيظه وأدّاه ذلك إلى زيادة في مرضه حتى هلك بهمذان وهو يقول في خلواته:
ما يهلك آل العميد ولا يمحو آثارهم من الأرض إلا هذا الصبي، يعني ابنه، وهو يقول في مرضه: ما قتلني إلا جرع الغيظ التي تجرعتها منه. فلما حصل بهمذان اشتدت علته وتوفي بها رحمه الله في ليلة الخميس السادس من صفر سنة ستين وثلاثمائة وانتصب ابنه أبو الفتح مكان أبيه، وكان العسكر كما ذكرت مائلا إليه، فزاد في بسطهم وتأنيسهم ووعدهم ومنّاهم وبذل لهم طعامه ومنادمته وأكثر من الخلع عليهم، وراسل حسنويه وأرغبه وأرهبه وحضّه على الطاعة وأومأ إلى مصالحته على مال يحمله يقوم بما أنفق على العسكر وتوفّر بعد ذلك بقية على خزانة السلطان ويضمن إصلاح حاله إذا فعل ذلك مع ركن الدولة، وكان ذلك يشقّ على سهلان بن مسافر لما في نفسه من حسنويه لأنه كان يحبّ الانتقام منه والتشفي به، وكان أبو الفتح يرى مفارقة حسنويه