للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأستاذ الرئيس، بقصده واستئصال شأفته، وأمره بالاستقصاء والمبالغة، فانتخب الأستاذ الرئيس الرجال وخرج في عدة وزينة، وخرج ركن الدولة مشيعا له، وخلع على القواد، ووقف حتى اجتاز به العسكر وعاد إلى الريّ، وسار الوزير ومعه ابنه أبو الفتح، وكان شابا قد خلف أباه بحضرة ركن الدولة وعرف تدبير المملكة وسياسة الجند، فهو بذكائه وحدّة ذهنه وسرعة حركته قد نفق نفاقا شديدا على ركن الدولة، وهو مع ذلك لقلة حنكته ونزق شبابه وتهوّره في الأمور يقدم على ما لا يقدم عليه أبوه، ويحبّ أن يسير في خواصّ الديلم ويمشون بين يديه ويختلط بهم اختلاط من يستميل بقلوبهم، ويخلع عليهم خلعا كثيرة، ويحمل رؤساءهم وقوادهم على الخيول الفره بالمراكب الثقال، ويريد بجميع ذلك «١» أن يسلّموا له الرئاسة حتى لا يأنف أحد منهم من تقبيل الأرض بين يديه والمشي قدامه إذا ركب، وكان جميع ذلك مما لا يؤثره الأستاذ الرئيس ولا يرضاه لسيرته، وكان يعظه وينهاه عن هذه السيرة ويعلمه أن ذلك لو كان مما يترخّص فيه لكان هو بنفسه قد سبق إليه. قال مسكويه: ولقد سمعته في كثير من خلواته يشرح له صورة الديلم في الحسد والجشع وأنه ما ملكهم أحد قط إلا بترك الزينة وبذل ما لا يبطرهم ولا يخرجهم إلى التحاسد ولا يتكبر عليهم ولا يكون إلا في مرتبة أوسطهم حالا، وان من دعاهم واحتشد لهم وحمل على حاله فوق طاقته لم يمنعهم ذلك من حسده على نعمه والسعي في إزالتها وترقب أوقات الغرّة في آمن ما يكون الانسان على نفسه منهم فيفتكون به ذلك الوقت، وكان يورد عليه مثل هذا الكلام حتى يظنّ أنه قد ملأ قلبه رعبا وأنه سيكفّ عن السيرة التي شرع فيها، فما هو إلا أن يفارق مجلسه ذلك حتى يعاود سيرته تلك، فأشفق الأستاذ في سفرته هذه أن يتركه بحضرة صاحبه فيلجّ في هذه الأخلاق ويغترّ بما يراه من احتمال ركن الدولة حتى ينتهي إلى ما لا يتلافاه، فسيّره معه، واستخلف بحضرة ركن الدولة أبا علي محمد بن أحمد المعروف بابن البيع، وكان فاضلا أديبا ركينا حسن الصورة مقبول الجملة حسن المخبر خلقا وأدبا. فلما كان الرئيس في بعض الطريق- وكان يركب العماريات ولا يستقلّ على ظهور الدوابّ لإفراط علة النقرس وغيره عليه- التفت حوله فلم ير في موكبه أحدا

<<  <  ج: ص:  >  >>