وهو للسامعين أطيب من نفح ... نسيم الرياض غبّ القطار
هجم البرد مسرعا ويدى صف ... ر وجسمي عار بغير دثار
فتسترت منه طول التشارى ... ن إلى أن تهتكت أستاري
ونسجت الأطمار بالخيط والاب ... رة حتى عريت من أطماري
وسعى القمل في دروز قميصي ... من صغار ما بينهم وكبار
يتساعون من ثيابي إلى رأ ... سي قطارا يجول بعد قطار
ثم وافى كانون واسودّ وجهي ... وأتاني ما كان منه حذاري
لو تأملت صورتي ورجوعي ... حين أمسي إلى ربوع قفار
أنا وحدي فيه وهل فيه فضل ... لجلوس الأنيس والزوّار
والخلا لا يراد فيه فما لي ... أبدا حاجة إلى حفّار
بل يراد الخلا لمنحدر النج ... وو ما ذقت لقمة في الدار
وإذا لم تدر على المطعم الأف ... واه سدّت مثاعب الأجحار
وقلت له يوما: لو قصدت ابن العميد وابن عباد عسى تكون من جملة من ينفق عليهما ويحظى لديهما، فأجابني بكلام منه: معاناة الضرّ والبؤس أولى من مقاساة الجهال والتيوس، والصبر على الوخم الوبيل أولى من النظر إلى محيا كل ثقيل، ثم أنشأ يقول:
بيني وبين لئام الناس معتبة ... ما تنقضي وكرام الناس إخواني
إذا لقيت لئيم القوم عنّفني ... وإن لقيت كريم القوم حياني
وقلت له: هل تعرف في معنى قصيدة العطوي أخرى؟ قال: نعم قصيدة الحرّاني صاحب المأمون، فقلت: لو تفضلت بانشادها، فقال: خذ في حديث من أقبلت عليه دنياه وتمكن فيها من مناه، ودع حديث الحرف والعسر والشؤم والخسر تطيرا إن لم ترفضه تأدبا، فقلت له: ما أعرف لك شريكا فيما أنت عليه وتتقلّب فيه وتقاسيه سواي، ولقد استولى عليّ الحرف وتمكن مني نكد الزمان إلى الحدّ الذي لا أسترزق مع صحة نقلي وتقييد خطي وتزويق نسخي وسلامته من التصحيف والتحريف