بمثل ما يسترزق البليد الذي يمسخ النسخ ويفسخ الأصل والفرع. وقصدت ابن عباد بأمل فسيح وصدر رحيب، فقدّم إليّ رسائله في ثلاثين مجلدة على أن أنسخها له، فقلت: نسخ مثله يأتي على العمر والبصر، والوراقة كانت موجودة ببغداد، فأخذ في نفسه عليّ من ذلك، وما فزت بطائل من جهته. فقال: بلغني ذلك، فقلت له: ولو كان شيئا يرتفع من اليد بمدة قريبة لكنت لا أتعطّل وأتوفر عليه، ولو قرّر معي أجرة مثله لكنت أصبر عليه، فليس لمن وقع في شرّ الشباك وعين الهلاك إلا الصبر.
قال أبو حيان: ودخلت على الدلجي بشيراز وكنت قد تأخرت عنه أياما، وهذا الكتاب يعني «كتاب المحاضرات» جمعته له بعد ذلك ولأجله أتعبت نفسي، فقال لي: يا أبا حيان من أين؟ فقلت:
إذا شئت أن تقلى فزر متواترا ... وان شئت أن تزداد حبّا فزر غبا
وهذا لملال ظهر لي منه وقليل إعراض، أعرض عني في يوم، فقال لي: ما هذا البيت إلا بيت جيد يعرفه الخاص والعام، وهو موافق لما يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: زر غبا تزدد حبا، فلو كان لهذا البيت أخوات كان أحسن من أن يكون فردا، قلت: فله أخوات، قال: فأنشدني، قلت: لا أحفظها، قال: فأخرجها، قلت: لا أهتدي إليها، قال: فمن أين عرفتها؟ قلت: مرّت بي في جملة تعليقات، قال: فاطلبها لأقدّم رسمك، قلت: فقدمه الآن على شريطة أنه إذا جاء الوقت المعتاد إطلاقه فيه كلّ سنة أطلقته أيضا، قال: أفعل، قلت: فخدها الآن: سمعت العروضي أبا محمد يقول: دخل بعض الشعراء على عيسى بن موسى الرافقي وبين يديه جارية يقال لها خلوب، فقال لها: اقترحي عليه، فقالت:
إذا شئت أن تقلى فزر متواترا ... وإن شئت أن تزداد حبّا فزر غبا
أجزه بأبيات تليق به فأنشد:
بقيت بلا قلب فانّي هائم ... فهل من معير يا خلوب لكم قلبا
حلفت بربّ البيت أنّك منيتي ... فكوني لعيني ما نظرت بها نصبا
عسى الله يوما أن يرينيك خاليا ... فيزداد لحظي من محاسنكم عجبا
إذا شئت أن تقلى فزر متواترا ... وإن شئت أن تزداد حبا فزر غبا