للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: قاتل الله أبا حيان فانه نكد وإنه وإنه وإنه، وأكره أن أروي ذمّي بقلمي، وكان ذلك كلّه حسدا [محضا] وغيظا بحتا، وأنا أروي لك الحديث فانه في نهاية الطيب، وفيه فكاهة ظاهرة وعيّ عجيب في معرض بلاغة ظريفة في ملبس فهاهة. حدثني القاضي أبو الحسن الجرّاحيّ قال: لحقتني مرة علة صعبة، فمن ظريف ما مرّ على رأسي [أنه] دخل في جملة من عادني شيخ الشونيزية «١» ودوارة الحمار والتوثة وفقيهها أبو الجعد الأنباري، وكان من كبار أصحاب البربهاري «٢» ، فقال أول ما قعد: يقع لي فيما لا يقع إلا لغيري أو لمثلي فيمن كان كأنه مني أو كأنه كان على سني أو كان معروفا بما لا يعرف به إلاي أني أرى أنك لا تحتمي إلا حمية فوق ما يجب ودون ما لا يجب.

وبين فوق ما لا يجب، وبين دون ما لا يجب فرق، الله يعلم أنه لا يعلم أحد ممن يعلم أو لا يعلم الطب كله أن تحتمي حمية بين حميتين، حمية كلا حمية ولا حمية كحمية، وهذا هو الاعتدال والتعديل والتعادل والمعادلة، قال الله تعالى: وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً

(الفرقان: ٦٧) وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: خير الأمور أوسطها وشرها أطرافها.

والعلة في الجملة والتفصيل إذا أدبرت لم تقبل، وإذا أقبلت لم تدبر، وأنت من إقبالها في خوف من إدبارها في التعجب، وما يصنع هذا كله؟ لا تنظر إلى اضطراب الحمية عليك، ولكن انظر إلى جهل هؤلاء الأطباء الألباء الذين يشقون الشّعر شقا، ويدقون البعر دقا، ويقولون ما يدرون وما لا يدرون زرقا وحمقا، وإلى قلة نصحهم مع جهلهم، ولو لم يجهلوا إذا لم ينصحوا كان أحسن عند الله والملائكة، ولو نصحوا إذا جهلوا كان أولى عند الناس وأشباه الناس، والله المستعان، وأنت في عافية، ولكن عدوك ينظر إليك بعين الاست فيقول: وجهه وجه من قد رجع من القبر بعد غد، وعلى كلّ حال فالرجوع من القبر خير من الرجوع إلى القبر، لعن الله القبر: لا خبّاز ولا بزاز ولا رزاز «٣» ولا كواز، إنا لله وإنا إليه راجعون عن قريب إن شاء الله وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ

(لقمان: ٣٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>