عملا وقد قوّاه اليوم بما يحرك الطبيعة، وقصدناه الثاني عشر فقيل إلى الآن كان جالسا ونهض في هذه الساعة ودخل إلى الحجرة، وقصدناه الثالث عشر فقيل دعي إلى الدار لمهم، وقصدناه الرابع عشر فألفيناه في الطريق يمضي إلى دار الامارة، وقصدناه الخامس عشر فسهّل لنا الاذن ودخلنا في غمار الناس، وإذا الناس على طبقاتهم جلوس، وجماعة قيام يرتبون الناس ويخدمونهم، وقد اتفق له عزاء وشغل بغيرنا، وبقينا في صورة من احتقان البول والجوع والعطش، وما أقمنا في جملة من يقام، فقال لي النصيبي: هذا اليوم الذي قد ظفرنا به وتمكنّا من دخول داره صار عظيم المصيبة علينا ليس لنا إلّا مهاجرة بابه والاعراض عنه وقمع النفس الدنية بالطمع في غيره، فقلت له: قد تعبنا وتبذلنا على بابه، والأسباب التي اتفقت فمنعت من رؤيته كان عذرا واضحا، ويتفق مثل هذا، فإذا انقضت أيام التعزية قصدناه، وربما نلنا من جهته ما نأمله، فقصدناه بعد ذلك أكثر من عشرين مرة وقلّما اتفق فيها رؤيته وخطابه، حتى ملّ النصيبي فقال: لو علمت أن داره الفردوس، والحصول عنده الخلود فيها، وكلامه رضى الله تعالى وفوز الأبد، لما قصدته بعد ذلك، وأنشأ يقول:
طلب الكريم ندى يد المنكود ... كالغيث يستسقى من الجلمود
فافزع إلى عزّ الفراغ ولذ به ... إن السؤال يريد وجه حديد
فأجبته أنا وعيناي بالدموع تترقرق، لما بان لي من حرفتي ونبوّ الدهر بي وضياع سعيي وخيبة أملي في كل من أرتجيه لملمّ أو مهم أو حادثة أو نائبة:
دنيا دنت من عاجز وتباعدت ... عن كلّ ذي لبّ له حجر
سلحت على أربابها حتى إذا ... وصلت إليّ أصابها الحصر
قال أبو حيان في «كتاب الوزيرين»«١» : جرى بيني وبين أبي علي مسكويه شيء، قال لي مرة: أما ترى إلى خطأ صاحبنا- وهو يعني ابن العميد- في إعطائه فلانا ألف دينار ضربة واحدة؟ لقد أضاع هذا المال الخطير في من لا يستحق. فقلت بعد ما أطال الحديث وتقطع بالأسف: أيها الشيخ أسألك عن شيء واحد فاصدق فإنه