ولقد قرأت في كتاب لأبي القاسم هبة الله بن عيسى كاتب مهذب الدولة «١» - يعني صاحب البطيحة- وكان رجلا جمّ العلم دقيق الفهم، وكان يكتب الكتب الطوال في الفتوح وغيرها، قرأت في فصل له إلى أبي الخطاب المنجم المستولي على دولة بهاء الدولة بن عضد الدولة:«وكنت واعدا نفسي إنجاز ما سبق من شريف مواعيد الحضرة البهية، لوفور حظّي من ملاحظة كرم الاهتمام» فقال لي الوزير أبو العباس عيسى بن ماسرجيس، وكنت أكتب له حينئذ، أنّى يفهم هذا الكلام اليوم؟! قلت: نجتهد، فتأمّلناه فوجدناه صحيحا، إلا أن طريقه كان وعرا.
قال: وكتب إليّ أبو عبد الله ابن ضبر القاضي صديقنا رحمه الله في كتاب، وقد اتصلت أسفاري بين البصرة وواسط والأهواز، مترددا عن السلطان في رسائل:
أصبو إليك مع البعاد صبابة ... أصلى بها كلهيب حرّ النار
وإذا تباعدت الديار فإنني ... أرضى وأقنع منك بالأخبار
وإذا الديار دنت بعدت فكيف لي ... بدنوّ قلب مع دنوّ الدار
وحدث ابن نصر في كتابه حاكيا عن نفسه قال: حدثني الأستاذ أبو عبد الله محمد بن شاذان بالبصرة، وهو إذ [ذاك] يكتب لظهير الدين، وقد خرجت إليه في رسالة، فلما أزمعت الانصراف حمل إليّ كسوة ونفقة إلى دار أبي عبد الله، وحضر أصحابه يتنجزون رسوما جرت العادة بها، وكثروا علي، فقال أبو عبد الله: حالنا هذه تشبه حال أبي أحمد النهرجوري، فإنه مدح أبا الفرج منصور بن سهل المجوسي عامل البصرة، فأعطاه صلة حاضرة هنية، والتفّ به الحواشي فطالبوه، فكتب رقعة ودفعها إلى بعض الداخلين إليه وقال له: سلّم هذه إلى الأستاذ، وفيها: