قال: فلما وصلت الرقعة خرج في الحال من صرف الحواشي عنه، وصار معه حتى دخل منزله.
وحدث ابن نصر قال: رأيت في المنام كأني أكتب إلى بعض أصدقائي، وقد وقع لي أنه سرق شيئا من كلامي: عمدت إلى شتائت ألفاظي وبدائد كلامي فغصبتنيها، فيا للصوص الكتابة، ويا لحزني عليه والكآبة، واستيقظت فعلّقت ذلك.
وحدث في كتابه قال: قال لي الشيخ أبو الحسن الربعي، وقد سألته عن «لعمرك» و «لعمري» والقسم بذلك، وأعلمته أني رأيت بخطّ بعض الناس فيه واوا، وقلت له: إن الواو لا مدخل لها هاهنا فإنها دخلت على «عمرو» للفرق بينه وبين عمر، وهذا قسم، ولذلك دخلت اللام فيه، فقال: أخطأ وأصبت، وتكلم في اللام الداخلة على «عمري» وقال: إنّ اللام في قولهم: لزيد قائم تفيد أمرين:
أحدهما التأكيد والآخر تقدير استقبال القسم، وهي من قولهم «لعمري» لا تفيد سوى التأكيد، لأن عمري قسم، والقسم لا يدخل على قسم، وتكلم في ذلك بما طال ثم قال لي: أعد، فأعدت ما قال بعينه، ونحن إذ ذاك في دار أبي غالب ابن الثلاج، وهو يقرأ عليه، فقال له: يا أبا غالب، هذا هو الذكاء الكبريتي، قال: وكيف يا سيدي؟ قال: هكذا ذكاء العراقيين، وحدثنا قال: كان يقرأ على أبي علي الفارسي فتى من أهل نسا، وكان بعيدا بليدا، وهو يقبل عليه ويصرف همته إليه، وأهل المدرسة يحيطون بدرسه دونه، وأبو علي يغتاظ من الترديد الذي يقصد به إفهامه، ويفهم غيره، فقال لنا يوما: الذكاء على أربع طبقات: فأولها الذكاء الكبريتي، وهو ذكاء العراقيين، فإنهم يفهمون سريعا وينسون ذريعا، وثانيها طبقات أهل العلم، وهم يفهمون على بطء ما ولا يكادون ينسون سريعا، وثالثها طبقات أهل [....] . وهم الذين يفهمون سريعا ولا ينسون، ورابعها طبقة هذا الفتى، وهو الذي لا يكاد يفهم إلا بعيدا وينسى قريبا، فاستحيى الفتى ولم يره في مجلسه بعدها.
قال ابن نصر: ورأيت كاتبا جالسا إلى جانبي وقد كتب كتابا افتتحه بأن قال: