قرأت بخط أبي سعد أخبرنا «١» أبو نصر يحيى بن خلف الخلقاني أخبرنا «٢» أبو ثابت بنجير بن علي أنبأنا «٣» أبو نصر ابن ماكولا الحافظ أنشدنا أبو الفرج هبة الله بن الحسن بن محمد العسقلاني بها أنشدنا أبو علي الحسن بن أحمد بن أبي الناس العسقلاني في صورتين كانتا على كنيسة تعرف بكنيسة ابن مريم على شرقي محملها، والكنيسة عند باب الصوارف بعسقلان:
طوباكما من دميتين تعانقا ... من غير علم منهما بعناق «٤»
لو ذقتما طعم العناق لغافصت ... شخصيكما الدنيا بوشك فراق
لم تغفل الأيام حالكما بها ... عمدا لترفيه ولا إشفاق
بل للأمور نهاية عقلت بها ... حجزت أوامرها عن الطرّاق
فإذا انقضت أيامها عادت لها ... تلك الوقاحة أضيق الأطواق
وكأنني والدهر قد أجراكما ... كبنيه تفريقا بغير تلاقي
قال فما مضى لهذا الشعر إلا سنة أو نحوها حتى أمر الحاكم بهدم الكنائس فهدمت، وهدمت هذه الكنيسة وأزيل الشخصان، فأنشدني لنفسه أبياتا في ذلك يرثيهما بها:
طوباكما من دميتين تعانقا ... وتفرّقا من بعد طول عناق «٥»
طال اعتناقهما فما نعما به ... وكذاك ما ألما لوشك فراق
أجرتهما الدنيا بها إذ مثلت ... بمثابة الأولاد في الاشفاق
صانتهما عن كلّ طارق حادث ... عند الغروب ومبتدا الإشراق
حتى إذا بلغا نهاية موعد ... فكّت عناقهما من الأعناق
ومحت رسومهما كأن لم تمثلا ... للناظرين مرامي الأحداق
حسبي من الأيام معرفتي بها ... وتصرّف الحدثان في الآفاق