وحديث طويل «١» . كان لأبي الحسن رسم، أخشى تكذيب سيدنا إن شرحته، وعتابه إن طويته، ولأن أحصل عنده في صورة متزيّد أحبّ إليّ من أن أحصل عنده في رتبة مقصر- يبتدىء فيقول ببحة عجيبة بعد إرسال دموعه وتردد الزفرات في حلقه، واستدعائه من جواذ «٢» غلامه منديل عبراته: والله والله وإلا فأيمان البيعة تلزمه بحلّها وحرامها وطلاقها وعتاقها، وما ينقلب إليه حرام، وعبيده أحرار لوجه الله تعالى إن كان هذا الشعر في استطاعة أحد مثله أو اتفق من عهد أبي دواد الايادي إلى زمان ابن الرومي لأحد شكله، بل عيبه أن محاسنه تتابعت وبدائعه ترادفت، وقد كان في الحق أن يكون كلّ بيت منه في ديوان يحمله ويسود به شاعره، ثم ينشد، فإذا بلغ بيتا يعجب به ويتعجب منه قال: أيها الوزير من يستطيع هذا إلا عبدك علي بن هارون بن علي بن يحيى بن أبي منصور بن المنجم جليس الخلفاء وأنيس الوزراء، ثم ينشد الابن، والأدب يعوّذه ويهتزّ له ويقول: أبو عبد الله أستودعه الله ولي عهدي وخليفتي بعدي، ولو اشتجر اثنان من مصر وخراسان لما رضيت بفصل ما بينهما سواه، أمتعنا الله به ورعاه، وحديثه عجيب وإن استوفيته ضاع الغرض الذي قصدته، على أنه أيد الله مولانا من سعة النفس والخلق ووفور الأدب والفضل وتمام المروة والظرف بحال أعجز عن وصفها وأدلّ عن جملتها: إنه مع كثرة عياله واختلال أحواله طلب سيف الدولة جاريته المغنية بعشرين ألف درهم أحضرها صاحبه، فامتنع من بيعها وأعتقها وتزوجها.
ومن شعر علي بن هارون وكتب بها إلى أبي الحسن علي بن خلف بن طياب «٣» .
بيني وبين الدهر فيك عتاب ... سيطول إن لم يمحه الإعتاب
يا غائبا بوصاله وكتابه ... هل يرتجى من غيبتيك إياب
لولا التعلل بالرجاء تقطّعت ... نفس عليك شعارها الأوصاب