للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومفصولة ومعمّاة ومفتّحة في أحسن صيغها وأبهج خلقها «١» ، منخرطة المحاسن في سلك نظامها، متساوية الأجزاء في تجاورها والتيامها، لينة المعاطف والأرداف، متناسبة الأوساط والأطراف، ظاهرها وقور ساكن، ومفتّشها رهج فاتن، كأنما كاتبها وقد أرسل يده وحث بها قلمه، رجّع فيها فكره ورويّته، ووقف على تهذيبها قدرته وهمته، القلب بها في حجر ناظره، والمعنى بها مظلوم بلفظه، وما ذهبت في هذه القضية «٢» مذهب المطرف المغرب بها ولا المعوّل على شوافعها، لكن نهجت بها سبيلا لأمثالها إقامة لرسم الخدمة المفروضة للسادة المنعمين على خدمهم وصنائعهم، فإن سعدت بنفاقها عليه وارتضائها لديه وإلا سلمت من وصمة التضجيع والإهمال وهجنة التقصير في شكر الإنعام والإفضال، ولسيدنا الأستاذ الجليل- أطال الله بقاءه- علوّ الرأي في الأمر بتسليم ما خدمت به وتصريفه بين عالي أمره ونهيه، إن شاء الله تعالى.

وحدث غرس النعمة محمد بن هلال «٣» بن المحسن بن ابراهيم بن هلال الصابىء في «كتاب الهفوات» قال «٤» : كان في الديوان كاتب يعرف بأبي نصر ابن مسعود فلقي يوما أبا الحسن علي بن هلال البواب الكاتب ذا الخط المليح في بعض الممرات فسلّم عليه وقبّل يده فقال له ابن البواب: الله الله يا سيدي ما أنا وهذا؟

فقال: لو قبلت الأرض بين يديك لكان قليلا، قال: ولم ذاك يا سيدي وما الذي أوجبه واقتضاه؟ قال: لأنك تفردت بأشياء ما في بغداد كلها «٥» من يشاركك فيها، منها الخط الحسن وأنّه لم أر عمري كاتبا من طرف عمامته إلى طرف لحيته ذراعان ونصف غيرك، فضحك أبو الحسن منه وجزّاه خيرا وقال له: أسألك أن تكتم هذه الفضيلة عليّ ولا تكرمني لأجلها، قال له: ولم تكتم فضائلك ومناقبك؟ فقال له: أنا أسألك هذا، فبعد جهد ما أمسك، وكانت لحية ابن البواب طويلة جدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>