حدثنا محمد اليزيدي قال: شهدت المأمون وهو جالس على دكة الشماسية وعنده أحمد بن الجنيد الاسكافي وجماعة من الخاصة إذ دخل عليه علي بن الهيثم المعروف بجونقا فلما قرب منه قال: يا عدوّ الله يا فاسق يا لصّ يا خبيث، سرقت الأموال وانتهبتها، والله لأفرقنّ بين لحمك وعظمك ولأفعلن ولأفعلن، ثم سكن غضبه قليلا فقال أحمد بن الجنيد: نعم والله يا أمير المؤمنين إنه وإنه، ولم يدع شيئا من المكروه إلا قاله فيه، فقال له المأمون وقد هدأ غضبه: يا أحمد ومتى اجترأت عليّ هذه الجرأة؟ رأيتني وقد غضبت فأردت أن تزيد في غضبي؟! أما إني سأؤدبك وأؤدب بك غيرك، يا علي بن الهيثم قد صفحت عنك ووهبت لك كلّ ما كنت أقدر أن أطالبك به، ثم رفع رأسه إلى الحاجب وقال: لا يبرح ابن الجنيد الدار حتى يحمل إلى علي بن الهيثم مائة ألف درهم ليكون له بذلك عقل، فلم يبرح حتى حملها.
الجهشياري «١» : أمر المأمون أن يؤذن للناس إذنا عاما وأن يجلسوا على مراتبهم كانت قديما إلى أن تعرض عليه فيأمر فيها بأمره، ففعلوا ذلك، ودخل علي بن الهيثم فجلس في مجلس العرب وتغامز الكتاب عليه، وأقبل عبيد الله بن الحسن العلوي فقال إبراهيم بن إسماعيل بن داود الكاتب للكتاب: أطيعوني وقوموا معي، فمضوا بأجمعهم مستقبلين لعبيد الله بن الحسن، فسلموا عليه فردّ عليهم فقالوا: لنا حاجة، فقال: مقضيّة، قالوا: تجلس في مجلسنا فقال: سبحان الله ينكر ذلك أمير المؤمنين، قالوا: هي حاجة تقضيها لنا ونحتمل ما ينالك فيها، قال: أفعل لعلمي بموقع الكتاب من قلوب السلاطين وقدرتهم على إصلاح قلوبهم إذا فسدت وإفسادها إذا صلحت، ومال إلى ناحيتهم فجلس معهم، وكتب صاحب المراتب إلى المأمون، فلما وقف على الموضع الذي جلس فيه عبيد الله أنكره وبعث اليه: ما هذا المجلس الذي جلست فيه؟ فقال إبراهيم بن إسماعيل للرسول: تبلّغ أمير المؤمنين عنا السلام