رأفة أمير المؤمنين وأنه قد نهانا لأعرقت جبينك، وحسبنا من جهلك غسلك المنبر بالمدينة، فاستشاط المأمون غضبا على محمد، وأمر باخراجه فعاذ بطاهر حتى شفع فيه فرضي عنه.
ميمون بن هارون بن مخلد بن أبان: حدثني أبي قال أدخلني أبي مخلد بن أبان مع القاسم بن أحمد بن الجنيد، وكان مخلد وأحمد متواخيين في شراء غلّات السواد، فأشرفنا على ربح عشرة آلاف ألف درهم، ثم اتضع السعر فحصل علينا وضيعة ستة آلاف ألف درهم، فطولبنا بها أشدّ مطالبة، واشتد كتاب المأمون علينا فيها، وكان المأمون يستاك في كل يوم ساعتين كاملتين، فدعاني المأمون يوما وهو يستاك وكلّمني بشيء ثم قال لي ما معنى قول الخريمي في علي بن الهيثم.
فدبنقا لذا الحديث دبنقا
«١» فقلت له: أنا أتكلم بالنبطية ولا أعلم ما معنى هذا، وأحمد بن الجنيد أرطن بها مني، فأومأ إليّ بمسواكه أن انصرف، فانصرفت فما بلغت الستر حتى لقيني أحمد بن الجنيد داخلا، وكان إذا خرج من الدار قبلي انتظرني وإذا خرجت قبله انتظرته، فوقفت منتظرا له فإذا به قد خرج فقلت له: ما كان خبرك؟ فأخرج إليّ توقيع المأمون بخطه بترك ما كنا نطالب به من الستة الآلاف ألف عن ابني وابنه وقال: قال لي ما معنى قول الخريمي: فدبنقا لذا الحديث دبنقا. فقلت: ضرطا لذا الحديث ضرطا فضحك وقال لي: إني سألت مخلدا عنها فلم يعرفها فاسأل حاجة فقلت: ابتاع ابني وابن مخلد غلات السواد وقدرنا الربح فخسرنا ستة آلاف ألف درهم ولا حيلة لنا فيها، وضيعتي بجلولا تساوي ثلاثة آلاف ألف درهم، فيأمر أمير المؤمنين بأخذها عن ابن مخلد وتسبيب ما على ابني على الاحالة أو الاقالة فقال: ويحك تبذل نفسك وضيعتك عن ابن مخلد، فقلت: نعم أنا غررته وأمّلت الربح ومنعته أن يعقده على التجار ويتعجّل فضله، وقد كانوا بذلوا لنا فيه ربحا كبيرا فقال، لي: أيّ نبطي أنت؟! هات الدواة فقدّمتها إليه، فوقع بابرائنا جميعا من المال وترك ضيعتي عليّ.