وحدث هارون عن عمه عن أبيه علي بن يحيى قال كنت أنادم المتوكل في ليلة من الليالي فغلب عليّ النبيذ، فأطرقت كالمهموم وأنا منتصب، قال: فدعا المتوكل بنصر [بن] سلهب وقال: امض الى منزل علي بن يحيى فانظر ما تجد فيه من الطعام فاحمله إليّ وأعجلهم غاية الاعجال ولا تدعهم يهيئون شيئا، قال: فمضى نصر فامتثل أمره وحمل جونة مملوءة من ضروب الطعام وجاء بها إلى المتوكل، ففتحت بين يديه ففاحت برائحة شوّقته إلى الطعام واستحسن ما رأى فيها فأكل منها والفتح معه ثم قال له: أما ترى ما أحسن هذا الطعام وأطيبه وأنظفه، ولو كان عليّ أعدّ هذا لمثل ما كان منا «١» ما زاد على حسن هذه الجونة وطيب ما فيها، قال فقال له الفتح: هذا يا أمير المؤمنين يدلّ على مروءته وإنه ليجب أن يعان عليها، قال: فصاح بي يا علي، فقمت قائما وقلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: تعال، فقربت منه فقال: انظر إلى هذه الجونة وما فيها، قال: فنظرت إليها فقال: كيف تراه؟ قلت أرى طعاما حسنا، قال: فتدري من أين هو؟ فقال قلت: لا يعلم الغيب إلا الله، قال: فإنها من منزلك وإني فعلت كذا وكذا وقصّ عليّ القصة وقال: قد والله سرّني ما رأيت من مروءتك وسروك، وكذا فليكن من خدم الملوك، ثم قال لي: ما تحبّ أن أهب لك؟ قال قلت: مائة ألف دينار، قال: أنت والله تستحقها وما هو أكثر منها، وما يمنعني من دفعها إليك إلا كراهة الشنعة وأن يقال وصل جليسا من جلسائه في ليلة بمائة ألف دينار، ولكني أوصلها إليك متفرقة وأضمّن فتحا إذكاري بذلك حتى تستوفيها، وقد وصلتك بمائة ألف درهم على غير صرف فانصرف بها معك، قال: وأمر باحضارها فأحضرت عشر بدر وحملت معي إلى منزلي، ثم لم يزل يتابع لي الصلات حتى وفّاني مائة ألف دينار. قال علي بن يحيى: وأحصيت ما وصل إليّ من أمير المؤمنين المتوكل من رزق وصلة فكان مبلغه ثلاثمائة ألف دينار.
قال: ولما مات علي بن يحيى قال ابن بسام يرثيه:
قد زرت قبرك يا عليّ مسلّما ... ولك الزيارة من أقلّ الواجب