المنجم: اهج مروان بن أبي الجنوب، فقال يا أمير المؤمنين: ومن مروان حتى أهجوه؟! قال: مروان مولى بني أمية ومولى القوم منهم، وبعد فإنهم بنو عمي وأتت العداوة بيننا، فأنت من أنت؟ قال: أنا مولاك يا أمير المؤمنين، قال: دعنا من هذا البرد، اهج الرجل وإلا أمرته أن يهجوك، فوقف ساعة متفكرا فاندفع مروان يقول:
ألا إن يحيى لا يقاس الى أبي ... وعرض عليّ لا يقاس إلى عرضي
أناس من الأنباط أكثر فخرهم ... إذا فخر الأشراف بعض على بعض
تنحّل أصلا في المجوس ودعوة ... إليهم نفاها من بحكمهم يقضي
أبى ذاك آذرباذ فيكم فأنتم ... من السّفل الأرذال والنبط المحض
حديثكم غثّ وقربكم أذى ... وآدابكم ممزوجة المقت بالبغض
تسوّقتم عند الامام بحبّه ... وسوقكم عند الروافض بالرفض
متى ما تعاطى المجد والفخر أهله ... فلستم من الإبرام فيه ولا النقض
إخال عليا من تكامل مقته ... يطا حرّ وجهي وهو يمشي على الأرض
قال أحمد بن أبي طاهر: كنت يوما عند أبي الحسن علي بن يحيى المنجم في أيام المعتمد فدخل عليه ابنه هارون فقال له: يا أبت رأيت في النوم أمير المؤمنين المعتمد وهو في داره على سريره، إذ بصر بي فقال: أقبل علي يا هارون، يزعم أبوك أنك تقول الشعر، فأنشدني طريد هذا البيت:
أسالت على الخدّين دمعا لو انه ... من الدرّ عقد كان ذخرا من الذخر
فلم أردّ عليه شيئا وانتبهت؛ قال: فزحف إليه علي بن يحيى غضبا وقال ويحك فلم لم تقل:
فلما دنا وقت الفراق وفي الحشا ... لفرقتها لذع أحرّ من الجمر
أسالت على الخدّين دمعا لو انه ... من الدّر عقد كان ذخرا من الذخر
قال ابن أبي طاهر: فانصرفنا متعجبين من حفظ هارون لما هجس في خاطره في النوم، ولمبادرة علي بن يحيى وسرعته في القول:
قال جحظة في «أماليه» : حدثت عن يزيد بن محمد المهلبي قال: كنت أرى