جليس، وحذق طباخ، وتصرف مغن، وفكر منجم، وفطنة شاعر، ما تركت شيئا مما يحتاج إليه الملوك إلا ملكته.
قال جحظة: وحدثني رذاذ غلام المتوكل قال: شهدت عليّ بن يحيى المنجم وقد أمره المتوكل أن يغنيه، وكنت جالسا الى جانبه، فقال لي: قد وقعت وإن تمنّعت جدّ بي حتى أغني ثم لا يكون له موقع، والمبادرة إلى أمره وسرعة الطاعة له أصوب، اضرب عليّ، فضربت عليه وغنى:
زار من سلمى خيال موهنا ... حبذا ذاك الخيال الطارق
جاد في النوم بما ضنّت به ... ربما يغنى بذاك العاشق
فقال: زه أجدت والله يا عليّ، فقال له عليّ: قد فرّحتك يا سيدي ففرحني، فدعاه وحيّاه بمشمة عنبر كانت بين يديه في صينية ذهب عليها مكبة منها وأمر له بألف دينار وتخوت ثياب، فقال لي: يا أبا شريك أناصفك؟ فقلت: لا والله لا قبلت من ذلك لا الكلّ ولا النصف فبارك الله لك فيه.
قال جحظة وحدثني عليّ بن يحيى المنجم قال: قلت مرة وقد أخذ مني النبيذ بين يدي الواثق لمن كان يسقيني: ويلك أجهزت والله عليّ، سقيتني الكأس حية فالا قتلتها؟ فسمع الواثق فقال لم يعد بك قول حسان:
إن التي ناولتني فرددتها ... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل
ألا تراه أنكر عليه مزجها؟ قلت: حسان أعرابي لا يحسن يشرب الخمر، وكان أيضا يشربها تغنما لبعد عهده بها، ولكن أردت من ساقيّ أن يأخذ بقول أفتى الخلق وأملحهم أدبا وأعلمهم بأدب الشرب، قال: ومن هو؟ قلت: أبو نواس، قال: حين يقول ماذا؟ قلت: حين يقول:
لا تجعل الماء لها قاهرا ... ولا تسلّطها على مائها
«١» فقيل لي لما حضرت من الغد، إنّ الواثق قال: لله دره ما أسرع جوابه وأحسن انتزاعه، لكنه أخرج عربدته كلّها على حسان بن ثابت، فلما حضرت بين يديه قال