الخاطر ونزهة الناظر «١» في أحاسن ما نقل من على ظهور الكتب «٢» .
وكان الأكرم القاضي المذكور جماعة للكتب حريصا عليها جدا لم أر في من لقيت «٣» مع اشتمالي على الكتب وبيعي لها وتجارتي فيها أشدّ اهتماما منه بها ولا أكثر حرصا منه على اقتنائها، وحصل له منها ما لم يحصل لأحد، وكان مقيما بحلب، وذلك أنه نشأ بمصر وأخذ بها من كلّ علم بنصيب، ولي والده القاضي الأشرف النظر بالبيت المقدس من قبل الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين بن أيوب وصحبه القاضي الأكرم وذلك في سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وأقام بها مع والده مدة، فآنس ولاة البيت المقدس من القاضي الأكرم- أدام الله عزه- شرف نفس وعلوّ همة، فأحبوه واشتملوا عليه، وكانوا يسألونه أن يتسم بخدمة أحد منهم فلم يكن يفعل ذلك مستقلا وإنما كان يسام العمل ويعتمد على رأيه في تدبير الأحوال، وكان لا يدخل معهم إلا فيما لا يقوم غيره فيه مقامه، واتفق ما اتفق بين الملك العادل أبي بكر ابن أيوب وبين ابن أخيه الملك الأفضل علي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب، والأكرم حينئذ بالبيت المقدّس، فاقتضت الحال لاتسامه بخدمة من في حيز الملك العزيز أن خرج من القدس فيمن خرج منها من العساكر في سنة ثمان وستمائة وصحب فارس الدين ميمونا القصريّ والي القدس ونابلس، فالتحقا بالملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب بحلب في قصة يطول شرحها، فلما حصل بحلب كان مع ميمون القصري على سبيل الصداقة والمودة لا على سبيل الخدمة والكتابة، واتفق أنّ كاتب ميمون ووزيره مات، فألزمه ميمون خدمته والاتسام بكتابته، ففعل ذلك على مضض واستحياء، ودبّر أموره أحسن تدبير، وساس جنده أحسن سياسة وتدبير، وفرّغ بال ميمون من كلّ ما يشغل به بال الأمراء، وأقطع الأجناد إقطاعات رضوا بها وانصرفوا شاكرين له، لم يعرف منذ تولي أمره إلى أن مات ميمون جنديّ اشتكى أو تألم، وكان وجيها عند ميمون المذكور يحترمه ويعظم شأنه ويتبرك بآرائه إلى أن مات ميمون في ليلة صبيحتها ثالث عشر