للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رمضان سنة عشر وستمائة، فاقر الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين جرايته «١» عليه وهو ملازم لبيته متشاغل بالعلم وتصنيف الكتب إلى أن احتاج ديوانه إليه فعوّل في إصلاحه عليه وهو مع ذلك متجنب غير راض.

وحدثني أدام الله علاه قال، حدثني والدي قال: قدمت مع والدي إلى مصر أول قدمة ولم نستصحب دوابّ «٢» لأننا انحدرنا في السفن، وقلت لأبي: نأخذ معنا دواب «٣» ، فقال: يعسر أمرها علينا فدعنا نمضي بالراحة في المراكب، وإذا وصلنا ما نعدم ما نركب، فلما وصلنا إلى مصر خرجنا نمشي إلى أن جاء بي إلى سوق وردان وهناك تلك الحمير التي هي أحسن من البغال، فقال لي والدي: اركب أيها شئت لنمضي إلى القاهرة، فامتنعت وقلت: والله لا ركبت حمارا قط، فقال: لا بدّ من المضيّ إلى القاهرة فما تصنع؟ قلت لأبي «٤» : نؤخّر المضيّ اليوم حتى نشتري مركوبا إما فرسا وإما بغلة أركبها أنا واصنع انت بنفسك ما تشاء، فعذلني فلم أرعو، فاجتاز بنا رجل له هيئة وشارة، فتقدم والدي إليه وقال له: يا أخي تعرف القاضي الأشرف أبا الحجاج يوسف بن القاضي الأمجد أبي إسحاق إبراهيم الشيباني القفطي؟ فقال: لا أعرفه، قال: امض في أمان الله، ثم مرّ به آخر فسأله مثل ذلك السؤال حتى سأل جماعة فلم يكن منهم من يعرفه، فالتفت إليّ وقال لي: ويلك إذا كنت في مدينة لا يعرفك بها أحد فما تصنع بهذا التمخرق والترتيب في المركوب؟! اركب ودع عنك الكبرياء والعظمة التي لا تجدي ها هنا شيئا، قال: فركبت حينئذ ومضينا إلى القاهرة؛ وكان لهذا السبب يتفقد الخيول المشهورة بالجودة وكثرة الثمن، حتى لقد حدثني أنه سمع ابن دحية الحافظ وقد سئل عن القاضي الأشرف القفطي فقال: أليس هو صاحب الخيول المسوّمة والعبيد الرّوقة، فما أولاه إذن بقول عامر بن الطفيل «٥» :

إني وإن كنت ابن سيد عامر ... وفارسها المشهور في كلّ موكب

فما سوّدتني عامر عن وراثة ... أبى الله أن أسمو بأمّ ولا أب

<<  <  ج: ص:  >  >>