يخفى أثره، فأرسلت إليه بذلك، وحمل موسى نفسه على المصير إليها، فأدخلته حجرة قد فرشت وأعدّت له، فلما حصل فيها دخل عليه عمارة فقال له: السلام عليك أيها الأمير، ماذا تصنع ها هنا، أتخذناك وليّ عهد فينا أو فحلا لنسائنا؟ ثم أمر به فبطح في موضعه وضربه عشرين درّة خفيفة وردّه إلى منزله، فحقد الهادي ذلك عليه، فلما ولي الخلافة دسّ عليه رجلا يدّعي عليه أنه غصبه ضيعته المعروفة بالبيضاء بالكوفة وكان قيمتها ألف ألف درهم؛ فبينا الهادي ذات يوم قد جلس للمظالم وعمارة بن حمزة بحضرته إذ وثب الرجل فتظلّم منه «١» فقال له الهادي: قم فاجلس مع خصمك، وأراد إهانته، فقال: إن كانت الضيعة لي فهي له، وان كانت له فهي له، ولا أساوي هذا النذل في المجلس، ثم قام وانصرف مغضبا.
وقلّد المهدي عمارة بن حمزة الخراج بالبصرة، فكتب إليه يسأله أن يضمّ إليه الأحداث مع الخراج، ففعل ذلك وقلده الأحداث مضافة إلى الخراج.
وكان عمارة أعور دميما فقال فيه بعض أهل البصرة:
أراك وما ترى إلا بعين ... وعينك لا ترى إلا قليلا
وأنت إذا نظرت بملء عين ... فخذ من عينك الأخرى كفيلا
كأني قد رأيتك بعد شهر ... ببطن الكفّ تلتمس السبيلا
ومدحه سلمة بن عياش فقال:
بلوت وجربت الرجال بخبرة ... وعلم ولا ينبيك عنهم كخابر
فلم أر أحرى من عمارة فيهم ... بودّ ولا أوفى بجار مجاور
وأكرم عند النائبات بداهة ... إذا نزلت بالناس إحدى الدوائر
تمسّك بحبل من عمارة واعتصم ... بركن وفيّ عهده غير غادر
كأنّ الذي ينتابه عن جناية ... يمتّ بقربى عنده وأواصر