وعين دمعها جمّ غزير ... ولكن نومها نزر غرار
كأن جفونها عند التلاقي ... تلاقيها الأسنة والشفار
وهذا حالها وهم حلول ... فكيف بها إذا خلت الديار
أبيت الليل مرتفقا كئيبا ... لهمّ في الضلوع له أوار
كأن كواكب الفلك اعتراها ... فتور أو تخوّنها المدار
منها:
فيا لك ليلة طالت ودامت ... فليس لصبحها عنها انسفار
أسائلها لأبلغ منتهاها ... لعلّ الهم يذهبه النهار
ومات الشيخ أبو الحسن في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة عن ثماني وثمانين سنة.
ومنهم ولده أبو علي الحسن بن علي بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة: وكان فاضلا كاتبا شاعرا أديبا، يكتب النسخ طريقة أبي عبد الله ابن مقلة، والرقاع طريقة علي بن هلال، وخطه حلو جيد جدا خال من التكلف والتعسف، سمع أباه بحلب، وكتب عنه السمعاني عند قدومه حلب، وسار في حياة أبيه إلى الديار المصرية واتصل بالعادل أمير الجيوش وزير المصريين وأنس به، ثم نفق بعده على الصالح بن رزيك، وخدمه في ديوان الجيش، ولم يزل بمصر إلى ان مات بها في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، ومن شعره في صدر كتاب كتبه إلى أخيه عبد القاهر في سنة ست وأربعين وخمسمائة:
سرى من أقاصي الشام يسألني عنّي ... خيال إذا ما زار يسلبني منّي
تركت له قلبي وجسمي كليهما ... ولم يرض إلا أن يعرّس في جفني
وإني ليدنيني اشتياقي إليكم ... ووجدي بكم لو أنّ وجد الفتى يدني
وأبعث آمالي فترجع حسّرا ... وقوفا على ضنّ من الوصل أو ظن
فليت الصبا تسري بمكنون سرنا ... فتخبرني عنكم وتخبركم عني
وليت الليالي الخاليات عوائد ... علينا فنعتاض السرور من الحزن